[حكم النذر للفساق]
وقال عليه السلام في (البحر) في كتاب النذر ما لفظه: (ولا يصح للفساق عموماً لتضمنه المعصية، ولا للفقراء الفساق لذلك).
قلت وبالله التوفيق: كل فعل تضمن المعصية لاشك في أنه معصية عند المسلمين، وقد صرّح عليه السلام بأن النذر على الفساق عموماً أو على فقرائهم متضمن للمعصية، وتسليم المال إلى سلاطين الجور من هذا الباب؛ لأن سلطان الجور رأس من تصير إليهم الأموال من المعينين له ممن دخل ديوانه ومن يرجو دخوله، وكذلك من يواليه من العصاة، وهم لا حصر لهم، بل هو في هذا أعظم لتضمنه تقويته على الظلم، وذلك لا يخفى على عاقل.(1/352)


[مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقال عليه السلام في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في (البحر) أيضاً في سياق ذكر النهي عن المنكر ما لفظه: (فيقدم الوعظ ثم السب ثم كسر الملاهي ثم الضرب بالعصا، ثم بالسلاح، فإن احتاج إلى تجييش فهو إلى الإمام لا إلى الآحاد، إذْ هو من الآحاد يؤدي إلى تهييج الفتن والضلال).
وقال عليه السلام في آخر هذا الكلام ما لفظه: (الغزالي يُجوّز للآحاد التجييش والحرب).
قلت: ولا وجه له لما ذكرنا، فقال عليه السلام: لا وجه لجواز التجييش للآحاد لما ذكر عليه السلام من تأديته إلى تهييج الفتن والضلال.
قلت وبالله التوفيق: إذا كان التجييش للآحاد المقصود به دفع المنكر لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تهييج الفتن والضلال، فكيف الحال في تسليم الأموال المؤدي إلى تهييج الفتن والضلال! مع أنه لم يقصد به دفع منكر البتة، وإنما يقصد به أمراً لا رضا لله فيه، وهو السكون في الديار بين الظالمين الأشرار، وقد حرم الله ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ((ما من رجل يجاور قوماً فيعمل بين ظهرانيهم بالمعاصي، فلا يأخذوا على يديه إلا أوشك أن يعمّهم الله بعقاب))، رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي).
قلت وبالله التوفيق: وهم لم يأخذوا على يدي الظالم، وإنما أعانوه بالمال ولم يخرجوه عنهم حتى لايكون بين ظهرانيهم، فأسأل الله تعالى أن يعمّهم بعذاب إلا من تاب.
وفي (شرح ابن مفتاح على الأزهار) في كتاب الوصايا: (أن الوصية للمحاربين من جملة المحظور).(1/353)


قلت وبالله التوفيق: وكذلك تسليم الأموال إلى سلاطين الجور، إذ لا فرق؛ ولأنه إنما قصد بذلك مجرد التمثيل لا الحصر.(1/354)


[إجماع أهل البيت (ع) على حرمة إعانة الظالم على إقامة معروف يؤدي إلى قوة ظلمه]
وفي كتب السادة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأظنه (الجوهر الشفاف) ما معناه: (أن الأئمة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجمعون على أنه لا يجوز إعانة الظالم على إقامة معروف أو إزالة منكر، أو إزالة من هو أكثر ظلماً إذا كان يؤدي إلى قوة ظلمه، وأما إذا كان لا يؤدي إلى قوة ظلمه فهم مختلفون في ذلك، فمنهم من قال بتحريمه؛ لأنه متبوع وليس بتابع، ولا يجوز أن يكون متبوعاً. ومنهم من قال بخلاف ذلك).
قلت وبالله التوفيق: إذا كانوا " مجمعين على تحريم ما هو في الأصل واجب إذا كان يؤدي إلى قوة ظلم الظالم، فإجماعهم على ذلك يدل على تحريم تسليم الأموال إلى سلاطين الجور بالأولوية ؛ لأنه مؤدٍّ إلى قوتهم على أكثر الظلم.
وقال الإمام الناصر لدين الله الحسن بن علي بن داود عليه السلام في بعض جواباته ما لفظه: (وعدم النقلة من ديارهم ترك واجب، وسبب لمحظورات لا تنحصر بعدّ ولا تنضبط بحد إلى قوله عليه السلام: ولله در الإمام المنصور بالله عليه السلام حيث قال متمثلاً:
وليس حي من الأحياء نعلمه .... من ذي يمان ولا بكرٍ ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم .... كما تشارك أنسارٌ على جزر
وعلى الجملة أن ذلك إجماع العترة ").(1/355)


وفي كلام علي بن العباس، وأبي طالب، والمنصور بالله، والمهدي لدين الله أحمد بن يحيى، وبعض السادة " جميعاً ما يشهد بصحة ما ذكرته من إجماعهم "، وكذلك قول القاسم بن إبراهيم عليه السلام حيث قال: (والمؤمنون وإن قالوا بعداوتهم في ذلك ونكالهم) إلى آخره، وجميع هذه الأقوال الشاهدة بإجماع العترة " قد تضمنها هذا الكتاب، فارجع إليها تعرف حقيقة ذلك إن شاء الله تعالى، وقد قلت أنا في معنى ذلك شعراً:
هذا مقال أئمتي .... من آل أحمد يامخطي
منهم وصي محمدٍ .... وأبو الأُلى قاموا بقسطي
ودليلهم آي الكتا .... ب وسنة لا رأي مخطي
ليس الهوى بباطلٍ .... عند المرآء ولا بخبط
فهو الشفاء من العمى .... وهو الهدى من وعر شطي
فدع اعتراضك بالخطأ .... والاعتماد على المبطي
هذا ولنشرع في ذكر ما يتعلق به المخطي من الشبه وحلها:
قالوا: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كتب يوم الخندق لعيينة بن حصن، ومن تابعه من غطفان بثلث ثمار المدينة من دون مشورة أهلها، فلما عرّفوه صلى الله عليه وآله وسلم بحالهم وقوتهم أعطاهم الكتاب فمزقوه.
قالوا: وذلك دليل على جواز تسليم المال إلى سلاطين الجور!
قلت وبالله التوفيق: إن استدلالهم بذلك باطل؛ لأن ثلث ثمار المدينة إنما قصد به صلى الله عليه وعلى آله وسلم تفريق الأحزاب وتفتييت أعضادهم، وذلك معلوم بين أهل العلم، فلم يكن في ذلك تمكين للظالم مما يجند به الجنود للبغي والفساد في الأرض بغير الحق.(1/356)

71 / 85
ع
En
A+
A-