[أقوال الإمام عبد الله بن حمزة (ع)]
وقال الإمام المنصور بالله عليه السلام في باب السيرة من (المهذب) في أهل الفسق وأهل البغي في كتاب السير في (المهذب) ما لفظه: (ونحن لا نشك أن الضعفاء الذين لبسوهم الحرير، وركبوهم الذكور، وسقوهم الخمور، فأي عونٍ أعظم من هذا!).
وقال عليه السلام في باب الهجرة من كتاب السير من (المهذب) أيضاً ما لفظه: (وقد ثبت من دين أهل البيت " أن الخاذل لهم فاسق ومن المعلوم أن الساكن مع الظالمين أكثر مضرة، وأنفع للفاسقين، وأقبح حالة، وأشنع جرماً من الخاذلين).
قلت وبالله التوفيق: وقوله عليه السلام وقد ثبت من دين أهل البيت " يشعر أنهم مجمعون على ذلك.
وقال عليه السلام في هذا الباب بعينه من هذا الكتاب بنفسه ما لفظه: (ولا أعظم من كون المؤمن ظهيراً للمجرمين؛ لأن أشد المظاهرة وأعظمها تقويتهم بالخراج، وكونهم مستضعفين فيما بينهم لايخرجهم عن حكمهم، ألا ترى أن الله تعالى ردّ حجتهم داحضة خاسئة بقوله تعالى فيهم:{قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}[فرد ذلك تعالى بقوله] {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:97]).
فإن قيل: فقد قال عليه السلام في باب الحظر والإباحة من هذا الكتاب بنفسه ما لفظه: (وما يجمع للظلمة على وجه المدافعة والمداراة فهو جائز إن لم يمكن دفعهم إلا بذلك، ويجوز أخذه من القوي والضعيف واليتيم بالرضا والإكراه).(1/347)
قلت وبالله التوفيق: مراده عليه السلام بذلك لمن يندفع بذلك من الظالمين عن مضرة المسلمين باعطائه المال، ولا يستقيم له عليهم دولة، بدليل ما ذكرناه عنه أولاً، وبدليل قوله عليه السلام: (إن لم يمكن دفعهم إلا بذلك)، وهو تصريح بمعنى ما ذكرت؛ لأن من تستمر دولته غير ممكن دفعه، بما يُعطى ضرورة، وإنما هو مستمر على ظلمهم وسومهم سوء العذاب، وإعطائهم المال مع ذلك مما يقوي شوكتهم ويشد أعضادهم، وتتمكن به وطأتهم، فتأمل ذلك.(1/348)
[من الأدلة على حرمة تضييع المال]
وقال الأمير الحسين عليه السلام في باب حكم الدخول في الشهادة وبيان من يفتقر إلى الشهادة من العقود من (الشفاء) ما لفظه: خبر وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ثلاثة لا يستجاب لهم: رجل باع شيئاً ولم يشهد عليه، ورجل معه امرأة سيئة ولا يطلقها، ورجل دفع إلى سفيه ماله))؛ دل ذلك على حكمين:
أحدهما: إثبات البيع من دون شهادة؛ لأنه قال: ((باع شيئاً)).
الثاني: أن تضييع المال لا يجوز.
ومن جملة تضييعه أن يبيعه ممن لا يثق منه بالوفاء، أو بدفع ماله إلى سفيه فيضيعه.
فقال عليه السلام: ((أو بدفع ماله إلى سفيه فيضيعه)).
ومن المعلوم أن تضييع المال أهون من إنفاقه في مضرة الإسلام والمسلمين وما يغضب رب العالمين من تكثيف الجيوش على المؤمنين[وقال عليه السلام في باب صفة من توضع فيهم الزكاة من (الشفاء) ما لفظه: فإن كانت] الديون لزمته في غير سرف ولا إنفاق في معصية، وهو فقير جاز أن يصرف إليه سهم منها ليستعين به على قضاء دينه؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2] فدل أول الآية على جواز معونته إذا كانت ديونه لزمته في غير سرف ولا إنفاق في معصية؛ لأن ذلك من وجوه البر، ودلّ آخرها على أنه لايجوز معاونته إذا كانت لزمته في سرف أو إنفاق في معصية.(1/349)
قلت وبالله التوفيق: إذا كان إعطاء الزكاة من يقضها عن دين لزمه في سرف أو معصية معاونة على الإثم والعدوان عنده عليه السلام، فبطريق الأولى أن يكون إعطاء المال من ينفقه بعينه في المعصية معاونة على الإثم والعدوان؛ لأن الإنفاق في الصورة الأولى غير الذي أعطي بخلاف هذه فهو عين ما أُعطي،[وقال الإمام المطهر عليه السلام] في كتاب الإجارة من كتاب (المنهاج الجلي) ما لفظه: (فرع، قلت: ولا يجوز له أن يكري حانوتاً لخمار ولا لذمي إلى قوله: والوجه في ذلك أن هذا معصية، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]).
قلت وبالله التوفيق: وكلامه عليه السلام يدل على تحريم تسليم الأموال إلى من ذكر بطريق الأولى؛ لأن ذلك يؤدي إلى معصية خاصة وتسليم الأموال إليهم يؤدي إلى معاصٍ عظيمة لا تحد ولا تنحصر بعدٍ.(1/350)
[قول الإمام المهدي (ع)]
وقال الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى عليه السلام في(الغيث) ما لفظه: (قال الشيخ علي خليل في مجموعه للمؤيد بالله عليه السلام في سلطان فاسق يدعو الناس إلى إقامة المعروف، وإزالة المنكر، وهو لا يتعد أمر المسلمين ورأيهم: أنه لايجوز للمسملين متابعته وتقويته وإن التمس هو ذلك، ويمكن جواز الاستعانة به على إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
قلت: وهذا معنى ما ذكرناه بعينه.
فقال عليه السلام: قلت: وهذا معنى ما ذكرناه بعينه، يريد في قوله عليه السلام مهما وقف على الرأي، ولم يؤد إلى قوة ظلمه؛ لأن ذلك في سياق شرح هذا اللفظ، ثم ساق كلاماً بعد هذا إلى أن قال ما لفظه: فصارت هذه وجوه ثلاثة، وهي: أن يعينوه على أخذ الأعشار ونحوها فلا يجوز، وعلى دفع الأكثر فقط فيجب.
والثالث: أن يقصدوا معاونته على دفع الأكثر، لكن إذا عرفوا أنهم إن أعانوه على ذلك ازداد ظلماً، فقيل: ينظر في الزيادة، فإن بلغت مثل ظلم المعان عليه أو فوقه لم تجز المعاونة وإن بلغت دونه جاز؛ لأنه دفع منكر بما هو دونه.
قلت: وقد تضمن لفظ (الأزهار) المعاني كلها فتأمله.
قلت وبالله التوفيق: إذا كان إقامة المعروف وإزالة المنكر وإزالة الأكثر ظلماً لا يجوز حيث كانت مؤدية إلى قوة ظلم الظالم كما صرح به عليه السلام، وهي في الأصل واجبة، فما ظنك بتسليم المال الذي لا شك في أنه يؤدي إلى قوة ظلم الظالم مع أنه لا أصل له في الوجوب!(1/351)