[رواية علي بن العباس(ع)]
وحكى علي بن العباس عليه السلام في (مجموعه): إجماع أهل البيت " على أن المشركين أو البغاة إذا نزلوا بساحة مدينة الإسلام، أو باب حصن المسلمين فلاضير على المسلمين إذا لم يقدروا على حمل غلات أنفسهم أن يحرقوها، أو يخربوا القرى لئلاّ ينتفع بها المشركون أو البغاة.
قلت وبالله التوفيق: وهذا يقتضي عدم جواز الدخول تحت ظل جناح دولتهم لكي تسلم أموالهم، إذ لو جاز الدخول كذلك لم يجز تحريق الأموال وتخريب القرى؛ لأنهما إضاعة مال، وهي لا تجوز في الأصل، وإذا لم يجز الدخول تحت ظل جناح دولتهم فكيف بتسليم ما يقويهم على هدم الدين!
فإن قيل: فإنه ذكر لفظ: لا ضير، ولم يقل: فإنه يجب.
قلت وبالله التوفيق: من رزقه الله زيادة في بصيرته وجلَّى قلبه عن العمى، فهم من ذلك الوجوب؛ لأن السبب في ذلك تعارض محظورين، وعدم المخلص إلاّ بفعل أحدهما، وهما: إتلاف المال، أو الدخول فيما يتقوّون به على الفساد في الأرض بغير الحق، فكان إتلاف المال أهون، فعبّر عن ذلك بلفظ لا ضير؛ لأجل كونه في الأصل محظوراً لا سيما وعيون العترة "، والمعتزلة [وأكثر الفقهاء] يوجبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع خشية المضرة على المال، وذلك مذكور في بعض كتب أهل المذهب المعتبرة لم أسه فيه ولم أغفل، وإذا وجب اختيار المضرة في المال لأجل واجب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف لا يجب توقياً من فعل محظور! وهو تقوية الظالمين على سفك دماء المسلمين واستمرار ظلمهم ونهب أموالهم، وإطفاء الفرائض والسنن، وإحياء البدع والفتن.(1/337)
[قول المرتضى بن الهادي (ع)]
وقال المرتضى محمد بن يحيى عليه السلام في كتاب (الإيضاح) ما لفظه: وسألتم عن العشر هل يعطاه فاسق ذو كبيرة إذا كان فقيراً؟
قال عليه السلام [ما لفظه]: لا يعطى منه شيء؛ لأن في إعطائه العشر ممايقويه على ما يحبه من المعصية والمباعدة لله سبحانه، فليس لمن ظهرت معصيته في أموال الله حق، وإنما يعطى من لم يعلم منه إلا خير، فقال: لأن في إعطائه العشر مما يقويه على ما يحبه من المعصية، وكذلك لا ينكر أنه يتقوى بما يعطى من أموال الناس.
وقال عليه السلام في بعض (رسائله) ما لفظه: (ومن قرب من أعداء الله شبراً بَعُد منه بذلك باعاً، فلا ترضوا بمداناتهم، ولا تُرخِّصوا لأنفسكم في مداراتهم، فإنهم أعداء الرحمن وأحزاب الشيطان...إلى قوله عليه السلام: مهلكوا العباد ومظهروا الفساد)، فقال عليه السلام: ولا ترخصوا لأنفسكم في مداراتهم، وذلك عام يفيد النهي عن الترخيص في مداراتهم بالمال وغيره؛ لأن لفظ مداراة مصدر، والمصدر: اسم جنس باتفاق أهل العربية كالماء والعسل، واسم الجنس إذا أضيف أفاد العموم، كقولك: عسل النحل صادف الحلاوة.
وفي كتاب البيوع من (اللمع) ما لفظه: في تعليق أبي الفوارس ذكره محمد بن يحيى: (لا ينبغي لأحد أن يبيع شيئاً من سلطان ظالم ولا يعامله كان ماله حلالاً أو حراماً، إلا أن يضطر إليه، فيأخذ المال مما يعلم أنه حلال).(1/338)
قلت وبالله التوفيق: إنه لم يستثن من جواز معاملتهم إلا عند الاضطرار كالاضطرار إلى أكل الميتة، وإذا لم يبح البيع منهم والمعاملة بيقين حل المال إلا مع الاضطرار، فما ظنك بتسليم الأموال إليهم مع عدم انتقاصهم لشيء من الأعواض!(1/339)
[قول الإمام القاسم العياني(ع)]
وقال الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني عليه السلام في (رسالته إلى أهل طبرستان) ما لفظه:
(الخاذل لنا كالمعين علينا، المتخلف عن داعينا كالمجيب لعدونا)، رواه في (أنوار اليقين). قال وهو منقول من رواية المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام.
قلت وبالله التوفيق: إذا كان ما ذكره عليه السلام في حق الخاذل المتخلف، فما ظنك بالمسلّم من الأموال ماهو سبب لهلاك الدين وتقوية للجبارين!(1/340)
[قول المؤيد بالله (ع)في كيفية إزالة المنكر]
وقال المؤيد بالله عليه السلام في باب كيفية إزالة المنكر في كتاب الحظر والإباحة من كتاب (الإفادة) ما لفظه: (وفي سلطان فاسق يدعو الناس إلى إقامة المعروف وإزالة المنكر، وهو لا يتعدى أمر المسلمين ورأيهم لا يجوز للمسلمين متابعته ولا تقوية يده، وإن التمس ذلك هو منهم)، فقال: ولا تقوية يده، أي: بتلك المعاونة على إقامة المعروف وإزالة المنكر؛ لأن سياق الكلام مؤد هذ المعنى، وإذا كان لا يجوز ذلك؛ لكونه مؤدياً إلى تقوية الظالم على ظلمه مع أنه في الأصل واجب، فبالأحرى أنه لا يجوز تسليم المال إلى سلاطين الجور؛ لأنه مؤدٍ إلى تقويتهم على الظلم ضرورة.
وقال عليه السلام في هذا الباب نفسه: (وفي ظالمين أحدهما أكثر من الآخر ظلماً، فالأقل منهما ظلماً يلتمس من المسلمين معاونة على دفع الأكثر ظلماً وفي غالب ظن هؤلاء المسلمين أن لو أعانوه على دفعه دفعوه، ويأخذ الزكاة والأعشار من المسلمين، ويصرفها في الوجوه التي تؤدي إلى مصالح الرب) أنه لايجوز معاونة من يكون أقل ظلماً على شيء من الظلم، فأخذ الزكاة والعشر من جملة الظلم.
قوله عليه السلام: (وفي غالب ظن هؤلاء المسلمين أن لو أعانوه على دفعه دفعوه، ويأخذ الزكاة والأعشار...إلى آخره) أي: في غالب ظنهم أنهم يدفعون الأكثر ظلماً، وأن الظالم الذي أعانوه يأخذ الزكاة والأعشار.
فقال عليه السلام: إن ذلك لا يجوز، وقال: إن ذلك من جملة الظلم.(1/341)