(حديث: ((ثلاثة لا يستجاب لهم...)))
ومما يخص تحريم تسليم الأموال إليهم من السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاثة لا يستجاب لهم))، وذكر منهم: ((رجلاً دفع إلى سفيه ماله)) ، رواه الأمير الحسين عليه السلام في (الشفاء)، والاحتجاج به على نحو ما مر في ذكر السفهاء.(1/317)


[الآية: {إن الذين توفاهم الملائكة...} ووجه الاستدلال بها]
ومما يدل على تحريم تسليم الأموال إليهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:97].
ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن المراد بها الذين أخلّوا بالفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى، أو بعضها لكونهم مستضعفين وهم متمكنون من الهجرة، بدليل الوعيد في آخرها، وهو لا يكون إلا لمن أخلّ بما افترض الله سبحانه من القيام بالواجب، أو ترك القبيح وهو يتمكن من القيام بهما، كأن يهاجر.
ومن جملة ما افترض الله تعالى تجنب مشاهدة المعاصي حين تُفعل إلا لتغييرها، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل))، ونحو ذلك، فلما ثبت الوعيد لمن لم يتجنب مشاهدة المعاصي، ولم يغيرها لأجل الاستضعاف ثبت الوعيد لمن يُسلم إليهم الأموال المقوية لهم على سفك الدماء وشرب الخمور، ونكح الذكور، ولبس الحرير، وغير ذلك من المنكرات؛ لأجل الاستضعاف ولم يهاجر بطريق الأولى، وكانت دلالة الآية على ذلك أقوى.(1/318)


(حديث: ((إن الله بعثني بالرحمة...)) ووجه الاستدلال به)
ومما يدل على تحريم تسليم الأموال إليهم أيضاً [من السنة] قوله ً: ((إن الله بعثني بالرحمة واللحمة، وجعل رزقي في ظل رمحي، ولم يجعلني حراثاً ولا تاجرا، ألا إن من شرار عباد الله الحرّاثون والتجار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق)) ، رواه الهادي عليه السلام.
وروى نحوه أخوه عبد الله بن الحسين في كتاب (الناسخ والمنسوخ).
ووجه الاستدلال بذلك: أن المراد به من ترك الفرائض أو بعضها لأجل الحرث أو التجارة إما لا شتغاله بهما أو بأحدهما، أو لأنه لا يتم له شيء منهما إلا بالإخلال بشيء من الفرائض، نحو إن أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر أخافه الظلمة حتى لا يتم حرثه أو تجارته، فيؤثر حرثه أو تجارته، فيكدح في ذلك ويخل بفرائض الله سبحانه وتعالى الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فيكون مؤثراً للحياة الدنيا على الآخرة،ويشهد بصحة ذلك قوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39] فإذا كان ذلك دليلاً على أن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستقيم حرثه أو تجارته، فهو من شرار عباد الله، وممن طغى وآثر الحياة الدنيا، فإن جهنم مأواه بصريح الآية، كان دلالة جميع ذلك على أن من أعطى قسطاً من ماله يتقوى به أعضاد الظالمين على المناكير العظيمة من شرار عباد الله، وممن طغى وآثر الحياة الدنيا، وأن مأواه جهنم بطريق الأولى.(1/319)


[الأدلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
ونحو ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو لتكوننّ أشقياء زرّاعين))، رواه عبد الله بن الحسين عليه السلام في كتاب (الناسخ والمنسوخ) أيضاً، والاحتجاج به على نحو ما مر الآن.
ومن ذلك ما في (الأحكام) فإنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه، ثم يقول: ما منعكم إذا رأيتموني أُعصى ألا تغضبوا لي!)) .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من قوم يكون بين ظهرانيهم من يعمل بالمعاصي فلا يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعقاب))، رواه عبد الله بن الحسين عليه السلام في كتاب (الناسخ والمنسوخ) أيضاً، وروى نحوه السيد أبو طالب عليه السلام في (الأمالي).
ووجه الإستدلال بهذين الخبرين أنهما نصان في الوعيد على من كان بين أهل المعاصي، ولم يغيروا عليهم، ودلالتهما على تحريم تسليم الأموال التي هي سبب لفعل المعاصي بطريق الأولى، وفيهما فائدة أخرى، وهو: أنه يجب أن يغير على أهل المعاصي من كان بين ظهرانيهم، ولو كانوا ضعفاء، وإلا وجب أن يفارقوهم حتى لا يكونوا بين ظهرانيهم، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تمنعنّ أحدكم مخافة أن يتكلم بالحق إذا رآه)) رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي) أيضاً.(1/320)


أقوال الأئمة في ذلك
وأما أقوال الأئمة " فقال علي عليه السلام في (نهج البلاغة): (ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف).
قلت وبالله التوفيق: وإعطاء المال لمن يعلم أنه لا يضعه إلا في مضرة الإسلام والمسلمين، وما يغضب رب العالمين ليس من حقه عند أهل الملة والدين، ولا ينكر ذلك إلا أفاك أثيم، والتبذير حرام؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورا}[الإسراء:27] وكذلك الإسراف؛ لأن الله نهى عنه في قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31].
والنهي للتحريم؛ لأن الله تعالى قد أمر بالانتهاء في قوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7]، والأمر للوجوب؛ لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63].(1/321)

64 / 85
ع
En
A+
A-