[قول الإمام الهادي عليه السلام]
وقال الهادي عليه السلام في (الأحكام): (فإن أرسل مرسل كلباً معلماً على صيد فعارضه كلب غير معلم، فأعانه عليه [حتى قتله يحبس عليه]، أو أخذ معه، فلا يجوز أكله، وقد أفسد ذكاته معاونة الكلب الذي ليس بمكلب)، فسمى عليه السلام فعل الكلب الغير المكلب معاونة، مع أنه إنما فعل ذلك ليأكل فقط، والهادي عليه السلام ممن يحتج بعربيته.(1/307)


[قول الأمير الحسين عليه السلام]
قال الأمير الحسين عليه السلام في باب صفة من توضع فيهم الزكاة من (الشفاء) في سياق ذكر المسكين: ونص عليه القاسم، والهادي -عليهما السلام- وهما حجازيّا اللغة، أراد بذلك أنهما ممن يحتج بلغته.
وقال بعض بني جهينة في وقعة كانت لكلب وفزارة شعراً:
فإنّا وكلباً كاليدين متى تقع .... شمالك في الهيجاء تعنها يمينها
أي: يقع من اليمين ما يعضد الشمال ويعينها، وهي لا قصد لها ضرورة، فعلمنا بذلك علماً أن الأدلة متناولة لإعطائهم الأموال وللإشارة بإحياء أرضهم والمشورة، وكان علم المعطين والمشيرين بثمرة إعطائهم وإشارتهم مغنياً عن قصد المعاونة في التحريم، واستحقاق النكال من الله تعالى؛ لأن المعلوم من حال كل عاقل أن يعلم أنه لولا تسليم الأموال إليهم لما انتصبت لهم راية، ولا تبعهم أحد من جنودهم، ولا تمكنوا من شمول الفتنة التي شملوا بها أهل وطأتهم، وجحود ذلك وإنكاره سفسطة، وكان أيضاً العلم في ذلك مغنياً عن القصد، كما أن العلم مغنياً عن القصد عند الإقدام على سائر المعاصي، وإلا لزم الإثم على جنودهم في الغزو بين أيديهم وسفكهم للدماء، إذا كان قصدهم بذلك مجرد منفعة أنفسهم.
وكذلك يلزم الإثم على من بقر بطن محترم الدم من مسلم أو معاهد لاستخراج درهم مثلاً في بطنه قاصداً بذلك مجرد انتفاعه بالدرهم، ولو كان يعلم بذلك هلاك النفس المحرمة، إذ جعل بعض المعاصي مفتقراً إلى القصد دون بعض تحكم، والقول بذلك خلاف ما علم من الدين ضرورة.(1/308)


ومما يعضد هذا: أن عواقب الأمور التي يؤول إليها مراعاة في ثبوت التحليل والتحريم من دون اعتبار القصد عقلاً وشرعاً:
أما عقلاً: فإن العقل يقضي ضرورة بقبح الفعل الذي يكون سبباً لقبيح.
وأما شرعاً: فإن الله سبحانه وتعالى حرّم شرب الخمر، وفعل الميسر، لما كان عاقبتهما التي يؤولان إليها إيقاع الشيطان العداوة والبغضاء بين المؤمنين، والصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:91]، ولم يشترط في ذلك قصدا.
وعن أبي طالب عليه السلام في (الأمالي) وأنا أرويه بالإسناد الصحيح المتصل إليه أنه قال: أخبرني أبي رحمه الله تعالى، قال أخبرنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، قال حدثنا علي بن الحسين، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، [عن ابيه] عن آبائه، عن علي عليه السلام أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله أوصني، فقال له: ((هل أنت مستوصٍ إن أوصيتك؟)) حتى قال له ذلك ثلاثاً، في كلها يقول الرجل: نعم يارسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((فإني موصيك، إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك رشداً فامضه، وإن يك غياً فانته عنه)).(1/309)


وعن الإمام المتوكل على الله عليه السلام أحمد بن سليمان في كتاب (حقائق المعرفة) يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: ((عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر))، فقلت: زدني ياسول الله صلى الله عليك؟، فقال: ((إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك خيراً فاتبعه، وإن يك غياً فدعه)) ورواه أبو طالب في (الأمالي) أيضاً ونحوه.
فلو كان التحليل والتحريم في ذلك يفتقر إلى القصد لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتدبر العاقبة، إذ لو لم يتدبرها لم يعرفها، فضلاً عن أن يقصدها.
ومن العجب أنهم يفتون بتحريم التراخي عن إزالة الجدار إذا كان مائلاً يخاف وقوعه على مارة الطريق، ولا يشترطون في ذلك قصداً، وإنما يجعلون ذلك حراماً بمجرد العلم، ويقولون في مسألتنا هذه بخلاف ذلك من غير فرق يجدونه، وهم يعلمون أن عاقبة تسليم المال إلى الجبارين تكثير سوادهم، وانتشار فسادهم، وسفك دماء المسلمين، وظلم الأرامل والأيتام والمساكين.(1/310)


[شبهة القائلين بأن الله يعين العاصي بتمكينه ما يستعين به على ظلمه والرد عليهم]
وأما قولهم: يلزم أن يسمى الله تعالى معيناً على المعاصي لإعطائه لهم ما استعانوا به على ظلمهم، فمعارض بأنه يلزمهم أن يسموا الله تعالى مقوياً على المعصية؛ لأنه خالق القوى للعاصين وغيرهم، ولا محيد لهم عنه، حيث جعلوا شبه ذلك لازماً.
وأما نحن فنقول: إن الله سبحانه لا يجوز أن يجري له من الأسماء إلا ما تضمن مدحاً، وإن كان جائزاً في اللغة؛ لدليل مذكور في علم الكلام لا ينكره الموحدون، وهو إجماع.(1/311)

62 / 85
ع
En
A+
A-