[عدم صحة التقليد في أصول الدين]
وقال السائل: لم لايقال بوجوب تقليد أهل البيت " في أصول الدين وغيره من المسائل المجمع عليها؟ وإن كان في الحقيقة غير مقلد؛ لأن الدليل قد قام على أنهم أهل الحق ومن عندهم يلتمس؛ إذ هم الفرقة الناجية، والأدلة على هذا المعنى أكثر من أن تحصى، وشبهة وجوب قبول أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد قيام المعجز على أنه لاينطق عن الهوى، كذلك من قام الدليل القاطع على أن الحق يلتمس من عنده، ونحن نعلم أنه لا واسطة بين الحق والباطل، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس:32]، وجب قبول قوله بلا إشكال، فإن من ورث القرآن والسنة والهدى والنور فيهما فلاسبيل إلى ذلك من غيره؟
والجواب والله الموفق: أما إثبات الدليل على الله سبحانه وتعالى، وعلى صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكون الكتاب والسنة حقاً، فلا يصح ذلك؛ لأنالم نعرف كون إجماع آل الرسول حجة إلا بعد تمام معرفة ذلك، وأما ما سوى ذلك من المسائل الأصولية فما أجمعوا عليه أعتمد عليه، لكن لا يسمى تقليداً لكون إجماعهم حجة كما تقدم، واتباع الحجة لايسمى تقليداً بإجماع علماء الإسلام.(1/297)
قال الإمام حجة الله على الأنام، ومحيي شريعة جده عليه السلام أمير المؤمنين وسيد المسلمين المنصور بالله القاسم بن محمد بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تمام هذه الأجوبة التي سطعت بنور اليقين شمسها، وبني على قواعد الكتاب والسنة أساسها: تم الجواب المختار لمسائل الفقيه عبد الجبار [أبو علي بن شمر، ضحى يوم الخميس لليلتين بقيتا من شهر رمضان الكريم سنة خمس وألف.
فلله الحمد والمنة، وقد اختصرت سؤالاته غالباً ولم أخل بشيء من المعنى؛ لأني لم أترك من ألفاظه إلا ما أثبته من السؤال والجواب.
والحمد لله وحده وصلى على سيدنا محمد وآله وسلم.
تمت النسخة المباركة نهار الأربعاء لعله ثالث وعشرين خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وستين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
بخط أسير ذنبه، ورهين كسبه، أفقر عباد الله وأحوجهم لديه: صلاح بن مهدي بن محمد بن صلاح بن صالح بلداً والعدلي اعتقاداً والزيدي مذهباً، عفى الله له ولطالبه ولكافة المؤمنين آمين اللهم آمين بحق سيد المرسلين وآله الأبرار المتقين يا الله بحقهم اغفر لي، ولا حول ولاقوة إلابالله العلي العظيم].(1/298)
التحذير من المعاونة على الفتنة
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
[وبه أستعين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله]
الحمد لله الذي جعل الكتاب هدى للمتقين، وشفاء لصدور المؤمنين، ودامغاً لباطل المبطلين، فمن تمسك بحبله عصم، ومن خالفه قصم، ومن قال به صدق، ومن حرّفه مرق، ومن التمس الهدى فيه وفي موافقته من السنة اهتدى، ومن طلبه في غيرهما ضل وغوى.
والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله الأكرمين وعلى أصحابهم المتقين، وأشياعهم الصالحين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لما وقع النكير على من حذّر من المعاونة على الفتنة، بقول كالحث على إحياء أرض الظالمين، أو مال كتسليم ما يعسكرون به العساكر، ويحصنون به الحصون، ويضطهدون بسنة الآمرين بالمعروف، ويضيمون لأجله الناهين عن المنكر، ويخيفون من أوجب الله أمانه، ويؤمّنون به من أوجب الله تخويفه، ويتقوون به على سفك الدماء، وينكحون به الذكور، ويشربون به الخمور، ويلبسون به الحرير، إلى غير ذلك مما لا أُحصي له من المحظور، وإثارة الشرور.
وعلمت أن الله سبحانه لا يعذر عن تبيين الحق، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}[البقرة:159] وغيرها مما يؤدي هذا المعنى من الآيات.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)) وغيره مما يؤدي هذا المعنى من الأخبار.(1/299)
جمعت في هذا الكتاب من الأدلة وأقوال الأئمة -"- ما يشتد به إن شاء الله ظهور المؤمنين، ويرغم به أنوف المبطلين، ولا عدوان إلا على الظالمين {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}[هود:88].(1/300)
[الأدلة على تحريم معاونة الظالمين]
أما الأدلة، فقال تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى))، رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) .
وعن أبي جعفر محمد الباقر بن علي عليه السلام أنه كان يروي ويقول: ((إذا كان يوم القيامة جُعل سرادق من نار، وجعل فيه أعوان الظلمة، وجعل لهم أظافير من حديد يحكّون بها[أبدانهم] حتى تبدو أفئدتهم فتحترق، فيقولون: ربنا، ألم نكن نعبدك؟ فيقول: ((بلى، ولكنكم كنتم أعواناً للظالمين))، رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) أيضاً، وهو في (الشفاء).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث طويل: ((أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردون على حوضي)) ، الخبر، رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي).
وروى حديثاً نحوه من طريق أخرى.
وبالجملة من طالع كتب الحديث وجد ذلك متواتراً معنىً، بل ذلك معلوم من الدين ضرورة، وإنما أوردت ذلك؛ لما في ذكره من الموعظة والتخويف، وقد قيل: إن تسليم الأموال إليهم وما ضاها ذلك لا يكون معاونة لهم إلا مع قصد كونه معاونة.(1/301)