وقال عليه السلام في كتاب (القياس) ما لفظه: (وإن ادعى أحد من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه على علم رسول الله، وأنه مقتد بأمير المؤمنين، والحسن والحسين صلوات الله عليهم فاعلم هديت أن علم آل رسول الله لا يخالف [علم رسول الله، وأن علم رسول الله لا يخالف] أمر الله ووحيه، فاعرض قول من ادعى ذلك على الكتاب والسنة، فإن وافقهما [ووافقاه] فهو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن خالفهما وخالفاه فليس منه صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر كلامه عليه السلام [ولأجلة الأئمة القدماء "، وغيرهم من المتأخرين "] كلامات تؤدي هذا المعنى، وقد ذكرت بعض ذلك في كتاب (الإرشاد إلى سبيل الرشاد) فالتمسه من هنالك.
وقال السائل لمن قلد الإمام المهدي عليه السلام في (الأزهار): هل يكون بذلك مقلداً للإمام الهادي عليه السلام؟
والجواب والله الموفق: أن كل ما قاله الإمام الهادي عليه السلام فقد صار مقلداً له فيه، لكن لاينبغي ذلك في المسائل المختلف فيها حتى نعرف موافقتها للكتاب والسنة كما تقدم.
وقال السائل: فهل الأقوال التي في الأزهار من تصانيف الهادوية للهادي وحده؟(1/292)


قلت وبالله التوفيق: إن تلك الأقوال له ولغيره حسبما اختاروه كما ذلك معروف، ومنها تخاريج له وللقاسم وغيرهما، من سائر العترة " بعضها على ضد مذهبه،وقد جعلت مذهباً وهو منها برآء، ولذلك قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام: (إنه لا يثق بتخاريج علي بن بلال صاحب الوافي)، والهادي عليه السلام قد أنكر القياس على أقوال المجتهدين، وصرح بذلك في كتاب (القياس) ومما خرج له ومذهبه ضد ذلك قول بعضهم: إنه يجوز تولي القضاء من جهة الظالمين تخريجاً للهادي عليه السلام من قوله في أحكام البغاة: يقر من أحكامهم ويثبت ما كان حقاً، ذكر ذلك في السير من (الأحكام).
ومن قوله في (المنتخب): (لو أن رجلاً مات وخلف أولادً صغاراً، ولم يوص فجعل بعض السلاطين أمر الصغار إلى بعض الكبار، وجعله وصياً عليهم جاز ذلك)، وهذا الترجيح مصادم لنصوصه حيث أوجب الهجرة من ديارهم وترك موآنستهم.
قال عليه السلام في (الأحكام) ما لفظه: (لا يجوز مكاتبة الظالمين ولا يحل موآنستهم بكتاب ولا غيره للمؤمنين).
وقال فيه أيضاً ما لفظه: (يجب على المؤمنين إنكار المنكر على الظالمين بأيديهم إن استطاعوا ذلك، فإن لم يستطيعوا وجب عليهم إنكاره بألسنتهم، فإن لم يستطيعوه وجب عليهم الهجرة عنهم والمعاداة للظالمين بقلوبهم وترك المقام بينهم والمجاورة لهم)، وكذلك جاء التشديد في مصنفاته، فكيف يصح التولي من جهتهم وذلك من أعظم الإيناس لهم! ويلزم منه مساكنتهم، وعدم الهجرة من بينهم مع ترك النكير عليهم؛ لأن عوائدهم جائرة بالتجبر والتكبر وعدم الرضا بالنكير عليهم.(1/293)


ومما يقضي فساد ذلك التخريج ما ذكره عقيب كلامه الذي خرجوا منه في (الأحكام) فإنه قال ما لفظه: (يقر من أحكامهم ويثبت ما كان حقاً ويدفع ما كان باطلاً، وإنما أثبتنا ما كان موافقاً للحق؛ لأنه حق وما كان حق فهو حكم الله لاحكم الحاكم به). انتهى كلامه عليه السلام فانظر كيف نفى حكم حكامهم، وإنما جعل ذلك من حكم الله تعالى، فكيف يقال: إن مذهبه يقضي بجواز تولية القضاءٍ من جهة الظالمين مع ذلك؟!
وأما ماذكره عليه السلام في (المنتخب) من جعل بعض السلاطين أمر الصغار إلى بعض الكبار فليس فيه تصريح ولا تلويح بأن المراد بالسلاطين فيما ذكره من ذلك سلاطين الجور؛ لأن السلطان قد يطلق على إمام الحق وعلى المتولي من جهة إمام الحق، ولا خلاف في ذلك وإن سلم أنه عني بذلك سلاطين الجور فإنه ليس ذلك بتقرير لما فعل، وإنما الحاكم بذلك الله سبحانه؛ لأنه إذا عدم الإمام والحاكم المحق جاز للكبير تولية أمر الصغيرمن جهة الصلاحية لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ...} [البقرة:220] الآية، فكان منه ذلك عليه السلام تقريراً لحكم الله لا لتولية الظالمين.(1/294)


[اختلاف المصنفين]
وقال السائل: فهل المصنفون يختلفون في المعنى، بمعنى أن هذا يفهم غير ما يفهم الآخر، فيصنف كل واحد منهم ما اعتقد أنه مراده؟
والجواب والله الموفق: أن من نقل منهم المعنى فلايبعد أن يقع فيه الغلط كما قد وقع من المفسرين لكتاب الله، ووقع بسبب ذلك الاختلاف في التفسير، وقد يقع التحريف بالتأويل من أهل الأهواء إذا كان المعنى الصريح يقضي بفساد ما يهوون، وليسألنهم الله عن ذلك.
وقال السائل: فإن قيل: إن التقليد لايصح رأساً بل الواجب أن ينظر الإنسان لنفسه ويجتهد بغير أن يبحث عن الدليل.
قلنا: إنما يحصل بنظره واجتهاده ظن فقط، لاشك أنه يعلم ويتيقن أن نظره لايصل إلى ما يصل إليه نظر الأئمة " لاسيما الهادي عليه السلام وأشباهه "، ومن أنكر هذا فقد تسفسط، فالظن مع ذلك بإصابة الحق بتقليد الأئمة " أقوى منه بإصابة النظر، وإذا كان أقوى وجب تقليدهم.(1/295)


[وجوب اتباع الأئمة]
والجواب والله الموفق: أن الواجب اتباع الأئمة إذا أجمعوا؛ لما مر والعمل بقول من وافق الكتاب والسنة منهم إن اختلفوا أو العمل بالأحوط لما مر متكرراً، ولاشك أن هذا أقوى من تقليد واحد منهم مع الاختلاف، مع عدم معرفته للكتاب والسنة، وإذا كان أقوى تعيّن وجوبه لكونه معلوم السلامة دون ما عداه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...}[الإسراء:36] الآية.
وقول السائل: ومن أنكر أن نظره لا يصل إلى ما يصل إليه نظر الأئمة لاسيما الهادي عليه السلام وأشباهه " فقد تسفسط فيه [الخبر] ما فيه؛ لأن التسفسط جحد الضرورة ومعرفة كون أنظار الأئمة أثقب من أنظار غيرهم لا يعلم ضرورة، وإنما هو استدلالي فقط دل عليه قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29]، وهم أتقى من غيرهم لما تقدم من الأدلة الشاهدة بذلك، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...}[العنكبوت:69] الاية، وجهادهم أتم من جهاد غيرهم وأعظم؛ لكونهم أصله، وعليهم تدور رحاه، ولنحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح...)) الخبر.
وقول السائل: إن المجتهد لايحصل له بنظره إلا ظن فقط مناقضة لما اقترحه علينا في مقدمة مسائله حيث طلب أن يؤتى في جواباتها بأدلة قطعية.(1/296)

59 / 85
ع
En
A+
A-