[دليل وجوب متابعة العوام للإمام]
فإن قيل: وكيف يصح من العوام قتل النفوس بين يدي الإمام وهم لا يعرفون الوجه الموجب لذلك كالكفر مثلاً إلا تقليداً، وهو لايجوز التقليد في التكفير والتفسيق على ما هو مذكور في مواضعه؟
قلت وبالله التوفيق: قد قال تعالى: {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فإذاً قد صحت إمامة الإمام للعامي بما ذكره وجبت طاعته، ويكفي في ذلك العلم بهذه الآية؛ فإذا علم العامي بهذه الآية لم يكن مقلداً في فعله بل يكون ممتثلاً لأمر ربه تعالى.(1/287)
[عدم صحة إمامة المقلد]
فإن قيل: إنك ذكرت أن يكون الإمام مجتهداً، وقد قيل: بصحة إمامة المقلد!
قلت وبالله التوفيق: لا تصح إمامة المقلد؛ لقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس:35]، والمقلد لا يهدي إلا أن يهدى، وقد تقدم من الأدلة أنه لا يخلو زمان من المجتهدين ما فيه كفاية للمسترشدين، ولا يكون ذلك إلا في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم؛ لأنّا مأمورون باتباعهم دون غيرهم لخبر السفينة وغيره، فلو كان استمرار المجتهدين من غيرهم دونهم، لكنا مأمورين باتباعهم دونهم ولم يكن شيء من ذلك.(1/288)
[تفسير قول الرسول (ص): من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية]
وقال السائل: ما المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية))؟
والجواب والله الموفق: أن المراد بذلك وجوب معرفة الإمام الذي يقتدى به ويهتدى بهديه بالشهرة أو بالخبرة، فإن لم يكن ظاهراً وجبت معرفة من يستحق في الجملة والانتظار لظهوره، والاستعداد لطاعته، ونصرته ونصيحته، فإن كان المكلف يتمكن من معرفة ذلك بالنظرفي الأدلة، وإلا سأل أهل الصلاح من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشيعتهم رضي الله عنهم، فإن لم يفعل ذلك مات ميتة جاهلية كما في الخبر.(1/289)
[حكم العامي المقلد المتخبط بين الأقوال]
وقال السائل: ما حكم من كان عامياً صرفاً تعلم من غيره شيئاً من العبادات والمعاملات، فظن أن ذلك هو الذي أمر الله به، وأنه نفس مذهب الزيدية، وأنه لا اختلاف بينهم رأساً ثم انكشف له بعد ذلك اختلافهم وشروط التقليد والمجتهد والمقلد والالتزام وغيره، فعمل بمختار الأزهار من غير نية الالتزام، ثم التزم مذهب أهل البيت " جملة، اعتقاداً منه أن ذلك أحوط وأحسن ليكون مخيراً للعمل بين الأقوال فيعمل بقول من شاء عند الاختلاف، وكان يظن أن له مع ذلك أن ينتقل من القول الذي قد عمل به إلى قول الآخر القاضي بخلافه، ثم انكشف له بعد ذلك أنه متى عمل بقول أحدهم صار لازماً له فعاد إلى ما كان يعمل به بدياً من الذي يعمله قبل انكشاف الاختلاف، واستمر عليه مع التردد والحيرة في أمره، فتارة يقول: التزمت مذهب إمام معين! وتارة يقول: الإلتزام الأول قد لزم وكل هذا الصادر منه! وهو يعتقد أن كل مجتهد مصيب لما ذكره أهل التصويب من الحجج، فلما اطلع على حجج من قال بعدم التصويب تشوشت نفسه وبقي محتاراً لايدري ماذا يفعل، وهو بعد هذه الصورة لا يكره التزام مذهب الهادي عليه السلام أو غيره من أجلة الأئمة " إذا ساغ له ذلك؛ لأن الهادي عليه السلام ينبوع العلم والحلم، ومن بحر علمه يُغترف، والأئمة المعتبرون مجمعون على أنه عليه السلام ذو بسطة في العلم وأن من بعده من الأئمة " لا يرتقي إلى رتبته في ذلك!!(1/290)
والجواب والله الموفق: أنه قد تقدم في أثناء الجواب أنه لايصح تقليد الآحاد من أهل البيت " ومن غيرهم مع الاختلاف لتأديته إلى التفرق في الدين، وقد نهى الله عنه كما تقدم، وأن الغرض في ذلك العرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إن أمكن، وإلا عمل بالأحوط كما مر جميع ذلك مفصلاً، ومع ثبوت ذلك كذلك بالدليل كما تقدم، نعرف أن التزام مذهب إمام معين أو غير معين مع الاختلاف غير لازم ما لم يعرض ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيوافقهما.
وأما قول السائل: أنه لا يكره التزام مذهب الهادي عليه السلام أو غيره من أجلة الأئمة "، فالهادي عليه السلام وغيره من قدماء الأئمة " يوجبون ما ذكرنا من العرض على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مع الاختلاف.
قال الهادي عليه السلام في آخر خطبة (الأحكام) ما لفظه: (فيجب عليه أن يطلب من ذلك ما ينبغي له طلبه من علم أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلمفيتبع من ذلك أحسنه وأقربه إلى الكتاب، فإن الله سبحانه يقول:{فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:17،18]).(1/291)