[الرد على من قال: لا تكون الآية حجة على صحة إجماعهم]
وقال بعض أهل التعسف: لا تكون الآية حجة على صحة إجماعهم؛ لأن الرجس هو ما فحش من المعاصي، ولو سلم فلا نسلم تناوله للخطأ المعفو عنه!
والجواب والله الموفق: أن كل ما خالف الحق فقد فحش بدليل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...}[الأنعام:151] [الآية]، والمراد به المعاصي بإجماع المفسرين، وكلما خالف الحق معصية بدليل أنه لا يصح أن يقال: عصى الله وما خالف الحق، ثم إن قوله تعالى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، يتناول الطهارة من التمادي والاستمرار على كل خطأ معفواً عنه كان أو معاقباً عليه، وإلا لم يكونوا مطهرين بدليل أنه لايصح أن يقال: طهروا عن الباطل وهم متمادون ومستمرون عليه، فتأمل.(1/257)


ومما يدل على أن إجماعهم حجة قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23]، والمراد بها أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايختلف أهل البيت " ولا شيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ في ذلك، وقد ثبت صحة ذلك عند عيون المخالفين، رواه ابن حنبل في (مسنده)، والبخاري، ومسلم، والزمخشري، والثعلبي في (تفسيره)، و غيرهم من طرق مختلفة حتى تواتر ذلك، وعلمنا صحته، والله سبحانه لايأمر إلا بمودة المؤمنين، لقوله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ...} [المجادلة:22] الآية، فعلمنا إيمانهم بذلك وعلمنا تحريم مخالفتهم؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:115]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، وهذا الحديث متواتر ترويه العترة " وشيعتهم رضي الله عنهم خلفاً عن سلف حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك عيون المخالفين كابن حنبل، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، ورزين، وغيرهم ممن لم أُحصِ من طرق شتى، وألفاظ متفقة المعنى وإن وقع في بعضها اختلاف في اللفظ.(1/258)


ووجه دلالة ذلك على إجماعهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفى الضلال عن من تمسك بها وبالكتاب، وذلك نص صريح على أنهم لا يخالفون الحق أبداً.(1/259)


[الجهل بالأدلة ليست حجة للمبطلين]
وقد قال بعض أهل التعسف: أنه إذا وقع لكم التواتر بذلك فلا يفيدنا ولا يكون حجة علينا، وإن سلم فلا يقتضي ذلك خطأ المخالف؛ لأنه عمل بالمفهوم ونحن لا نقول به!!
والجواب والله الموفق: أن الجهل بالأدلة لا يخرجها عن كونها حجة على المبطلين وإلا جاز أن يبطل حجج الله تعالى بمعارضتها بجهل الجاهلين، وذلك خلاف ما علم من الدين ضرورة، ولكنه يجب على الجهال البحث والنظر حتى يعرفوا الحجة، ولا يجوز التمادي على الجهل كهذا المعترض، وذلك معلوم من الدين ضرورة، ثم لا نسلم أن دلالة الخبر على خطأ المخالف بالمفهوم وحده؛ لأن ذكر التمسك بهم نص صريح في الحث على اتباعهم، فلو كان المخالف لهم على الحق لم يحثه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وترك ما في يده من الحق؛ لأن الحث على الباطل وترك الحق قبيح عقلاً وشرعاً مع أن الشرط لو لم تكن دلالته على المفهوم صحيحة لم يكن لذكره فائدة، ولما جرى في خطاب الحكيم.
وقال هذا المتعسف: إن سلمنا ذلك فهو متروك الظاهر؛ لأن مقتضاه خطأ اتباع الكتاب وحده لإفادة الواو الجمعية وهو خلاف الإجماع، ولو سلم فإنما يفيد وجوب الإتباع حيث اتفق الكتاب وقول العترة [عليهم السلام]، والحجة حينئذ إنما هو الكتاب وحده!(1/260)


[وجوب اتباع الكتاب والعترة]
والجواب والله الموفق: أن من لازم اتباع الكتاب العمل بمقتضى هذا الخبر؛ [لأنٍ] من جملة اتباع الكتاب العمل بقوله تعالى: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7]، وقد آتانا الرسول هذا الخبر فوجب أن نأخذه، وليس أخذه إلا العمل به وهو أن نتمسك بالكتاب والعترة معاً، كما أن اللازم من طاعة الله طاعة رسوله وأولي الأمر، كما في قوله تعال: {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]، والفرق معدوم.
وأما كونه لايفيد الاتباع إلا حيث اتفقوا هم والكتاب فكذلك نقول كما أفاده الخبر من أنهم لا يخالفون الكتاب ولا الكتاب يخالفهم، وذلك لا يخرج إجماعهم عن كونه حجة كالإجماع الأكبر؛ لأنه لابد من موافقته للمستند من الكتاب والسنة، والخصم لا يخرج الإجماع بذلك عن كونه حجة، وفعل المستند من الكتاب والسنة هو والحجة وحده دون الإجماع، فالفرق تَحكم.
ومما يدل على كون إجماعهم حجة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))، وهذا الخبر لا يختلف في صحته عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أشياعهم رضي الله عنهم.(1/261)

52 / 85
ع
En
A+
A-