قلت وبالله التوفيق: إن الله سبحانه يريد أن يفعل ذلك لأهل البيت " بنص قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]، وإذا أراد شيئاً فعله لقدرته القاهرة بخلاف غيرهم فإن الله يريد أن يفعلوا ذلك هم لا أن يفعله لهم، كما قال تعالى في بعض من يريد الله أن يفعلوا التطهير لأنفسهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ...}[المائدة:41] الآية.(1/252)


[تأكيد نزول الآية فيهم]
فإن قيل: قد قيل إن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخلات في الآية بدليل إدراجها في سياق ذكرهن، وتذكير التطهير للتغليب، فلا يكون إجماعهم من دون أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة؟
قلت وبالله التوفيق: إن ذلك لايدل على دخولهن في الآية؛ لأن أهل علم البلاغة مطبقون على أن أحسن مواقع إنما التعريض، وذلك تعريض بهن إنهن غير معصومات لمجيئه في سياق وعظهن كقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ...}[الأحزاب:30] الآيات، إلى قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33].
ويؤيد ذلك إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعضهن كما ذكره الله في سورة التحريم، وما ضرب الله من المثل بامرأة نوح وامرأة لوط، حيث قال تعالى: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}[التحريم:10]، وخروج عائشة على علي [ عليه السلام] وهو إمام الحق.
فإن قيل: هذا نص في الأربعة "، فما دليل دخول من عداهم من ذريتهم الطاهرين؟(1/253)


قلت وبالله التوفيق: الآية متناولة لجميع أهل البيت " [إذ لم يفصل، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الموجودين منهم "] تحت الكساء بعد نزول الآية وحدهم لتعذر إحضار من لم يوجد، كما أن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ...}[الصف:10،11] الآية تتناول جميع المؤمنين إلى آخر الدهر بدليل قوله تعالى: {لأُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:19]؛ ولأن السابق مأمور بإبلاغ اللاحق، وذلك معلوم من الدين ضرورة.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوجه الخطاب بهذه الآية للموجودين من المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ وحدهم لتعذر خطاب من لم يوجد، فالفرق بين الآيتين تحكم.
فإن قيل: إنا قد علمنا وقوع الكبائر من كثير من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
قلت وبالله التوفيق: إنا نعلم ضرورة أن وقوع ذلك من بعضهم لايستلزم وقوعه من جميعهم.(1/254)


[إستحالة إجماع أهل البيت على باطل]
فإن قيل: إذا قد وقع من بعضهم جاز أن يقع من جميعهم في بعض الأعصار؛ لأن أولئك بعضهم لا كلهم فلا يكون حجة إلا ما اجتمعوا عليه إلى آخر الدهر وانقطاع التكليف!
قلت وبالله التوفيق: ذلك باطل؛ لأنه إذا كانوا في عصر من الأعصار مخالفين للحق لم يكونوا مجمعين عليه إلى آخر الدهر، وانقطاع التكليف لانقطاع ذلك في بعض الأعصار، وذلك يبطل فائدة الآية ويلحقها باللغو والهدر، فهذا الإعتراض بذلك أجدر؛ لأنها من كلام أحكم الحاكمين الذي يقول الحق وهويهدي إلى السبيل؛ ولأن الآية تناول أهل كل عصر كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ..}[الصف:10] الآية ونحوها، وإلا كان ألغازاً وتعمية؛ لأنه لا ناسخ لها ولا مخصص لأهل عصر دون غيره، وإذا كانت تناول أهل كل عصر كذلك بطل ما قالوا، وإلا أدى إلى إبطال فائدتها في بعض الأعصار كما زعموا، وقولهم بذلك أحق؛ لأنها من جملة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فإن قيل: قد وقع من بعضهم ارتكاب الكبائر، وذلك يستلزم أن الأربعة أعني عليا وفاطمة والحسنين " ليس معصوم إلا جماعتهم دون أفرادهم؟(1/255)


قلت وبالله التوفيق: ذلك باطل؛ لأن وقوع المعاصي من غيرهم لايستلزم وقوع المعاصي منهم ضرورة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمعهم تحت الكساء وأشار إليهم كما في الأخبار المتواترة، فلو جوز عدم عصمة واحد منهم لم يجز أن يدخله تحت الكساء ويشير إليه؛ لأن المخرج من معنى العموم لايكون مقصوداً في خطاب العموم البتة،وإنما يقصد به من عداه، ويجعل دليل التخصيص بياناً لذلك، وإلا كان بداء، وهو لا يجوز على الله سبحانه، وكل فرد من الأربعة " قد دخل في معنى الآية بدليل إدخال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم تحت الكساء وإشارته إليهم بخلاف غيرهم من أهل التمادي على الباطل من أهل الكبائر من أهل البيت "، فإنهم غير مقصودين في الآية بدليل وقوع الكبائر منهم وتناول آيات الوعيد لهم، فتأمل.(1/256)

51 / 85
ع
En
A+
A-