[وجوب التعليم من الحُفّاظ للملحن في قراءة القرآن]
وقال السائل: من كان يقرأ القرآن وهو يلحن فيه لحناً كثيراً، ويتكرر منه ذلك مرة بعد أخرى وليس في المصحف لحن، هل يجب أن يعرف الصواب ويتكرر وجوب ذلك، ولو تكرر اللحن منه في الموضع الذي يعود اللحن فيه فشق على السامع؟
والجواب والله الموفق: أن ذلك واجب على الحفاظ لكتاب الله سبحانه؛ لأنه من جملة الأمر بالمعروف [والنهي عن المنكر] وقد مر الدليل على وجوبه في أثناء هذا الجواب، ومن جملة المعاونة على البر والتقوى، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]، والمشقة في ذلك لا ترّخص في تركه؛ لأن التكاليف كلها شاقة كما لا يختلف في ذلك أحد من المسلمين ولذلك سميت تكاليف.(1/247)


[حكم معاونة الكفار والفساق بشيء من أعمال الدنيا]
وقال السائل: هل يجوز أن يعان الكفار والفساق بشيء من أعمال الدنيا كالتجارة والزراعة ونحو ذلك، ولو بالأجرة؟
والجواب والله الموفق: أنه إن كان الكافر والفاسق لايتوصل بذلك أو بعضه إلى معصية الله سبحانه، ولا مضرة أحد من المسلمين فلا خلاف في جوازه؛ ولقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ...}[الممتحنة:8] الآية.
وأما إذا كان يتوصل به أو بعضه إلى معصية الله سبحانه، فذلك من المعاونة على الإثم والعدوان كما تقدم بيانه.
وقال السائل: إذا غلب في ظن المكلف أنه لايتم له الحج إلا بمداهنة للأمراء الظالمين ونحوهم من الجبابرة في سفره والمخالطة والمؤاكلة، وإن تجنبهم اضطر إلى مخالطة من لاتمييز له في الطهارة فيترطب بها في الطهور والمشروب والمأكول، وربما يضطر إلى مسايرة أهل الجبر وقد يصدر منهم ما لايجوز للإنسان السكوت عليه ولا الرضا به، وعلى الجملة فحال هذا السفر غير خاف يعني في هذا الزمان، فهل يكون ذلك عذر في ترك الحج؟
والجواب والله والموفق: أن ذلك لايكون عذراً لترك الحج؛ لأنه يمكنه بتجنب مخالطة الجبابرة من الأمراء وغيرهم إذ ليسوا في كل فج ولا في كل طريق، وقد يسير معهم جل الناس في نفس الطريق ولا يخالطونهم ولا يواكلونهم، وكذلك يمكنه أن يتجنب من لا تمييز له في الطهارة في أن يتولى أمور نفسه في طهوره ومأكوله ومشروبه.(1/248)


وأما أهل الجبر فحالهم كحال عباد الأصنام من المشركين، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون من أصحابه يحجون وأهل مكة مشركون، وعباد أصنام، وكانوا يسمعون منهم ويشاهدون من الأفعال الكفرية ما لايخفى، فلم يكن ذلك مرخصاً في ترك الحج، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واجب، وأجر الأمة فيما لم ينسخ من الأحكام، ولم يظهر فيه دليل كونه خاصاً بأحد دون أحد كأولها وذلك معلوم من الدين ضرورة.(1/249)


[إجماع أهل البيت حجة قطعية]
وقال السائل: قد دل الدليل الشرعي على أن إجماع أهل البيت " حجة قطعية؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]، والمراد رجس المعاصي بعد خروج الزوجات منهم بالدليل، ودخول من عدى الأربعة المشار إليهم؛ للأحاديث الدالة على أنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اقترانهم بالكتاب إلى آخر الدهر، وآية المودة والله لايأمر بمودة العصاة، وقد نهى عن ذلك وأمر بالعدواة لهم وحينئذ نعلم الحق فيما أجمعوا عليه، ويجب على من عداهم الموافقة لهم فيما أجمعوا عليه لقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:115] وهم المؤمنون، بقي الإشكال فيما اختلفوا فيه على قول من قال بعدم تصويب كل المجتهدين في الفرعيات، وأدلة هذا المذهب قوية لولا تشوش النفس وعدم سكونها عند ورود أشياء.
وأورد السائل مسائل سيأتي ذكرها في موضعها ـ إن شاء الله تعالى ـ.(1/250)


والجواب والله والموفق: أنه لاشك أن إجماع أهل البيت " حجة لآية التطهير، وجميع علماء العترة عترة رسول الله صلى الله عليه وعليهم يروون خلفاً عن سلف حتى يتصل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنها لما نزلت دعا حسناً وحسيناً فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها علي بن أبي طالب، ثم لفَّ عليهم الكساء، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ...}[الأحزاب:33] الآية، لا نعلم بين من ذكرنا في ذلك اختلاف، وإن وقع اختلاف يسير في اللفظ، وكذلك عيون رواة المخالفين لا يختلفون في صحة ذلك، رواه ابن حنبل في (مسنده)، والبخاري ومسلم في (صحيحيهما)، وأبو داود السجستاني في (سننه)، ومالك في (الموطأ)، والثعلبي في (تفسيره)، والحميدي في (الجمع بين الصحيحين)، ورزين في (الجمع بين الصحاح الستة)، وغيرهم ممن لم نذكره منهم بطرق مختلفة عن ابن عباس، وواثلة بن الأسقع من طرق عدة، وأم سلمة، وعائشة، وأبي سعيد الخدري، وجعفر بن أبي طالب، وأبي الحمراء، كل واحد من هولاء يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير واسطة، وهذا مع ما تقدم من رواية أهل البيت " وشيعتهم -رضي الله عنهم- محض التواتر الذي يفيد العلم الذي لايمكن دفعه بشك ولا شبهة، وذلك يفيد عصمتهم " من الاعتماد على غير الحق في العلم والعمل؛ لأن رجس الأقذار حكمهم فيه وحكم غيرهم واحد بالإجماع المعلوم، فلم يبق إلا ما ذكرنا.
فإن قيل: إن الله سبحانه يريد ذلك من كل الناس.(1/251)

50 / 85
ع
En
A+
A-