وعنه عليه السلام فيه أيضاً ما لفظه: وبلغنا عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيجعلها الله ثلاثاً وثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون، فيجعلها الله ثلاثاً)).
قلت وبالله التوفيق: معنى ذلك أنه إن وصل رحمه وكان الباقي من عمره ثلاث سنين مثلاً جعلها الله تعالى ثلاثاً وثلاثين سنة، وإن كان ثلاث برهات من الزمان كثلاثة أشهر جعلها الله ثلاثة وثلاثين شهراً، أو ثلاثة أسبوعات جعلها الله تعالى ثلاثة وثلاثين أسبوعاً، أو ثلاثة أيام جعلها الله ثلاثة وثلاثين يوماً ونحو ذلك، والعكس في قطع الرحم والله أعلم.
وعنه عليه السلام فيه أيضاً ما لفظه: وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من يضمن لي واحدة أضمن له أربعاً، من يصل رحمه فيحبه أهله، ويكثر ماله، ويطول عمره، ويدخل جنة ربه)).(1/227)


[حكم طاعة الوالدين إذا كانا كافرين وكذا سائر الأرحام]
وقال السائل: إذا كان الوالدان وسائر الأرحام من أهل الكبائر [هل يجب على الولد أن يعاملهم معاملة غيرهم من أهل الكبائر] لقوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أَبْنَاءَهُمْ}[المجادلة:22] الآية؟ أم يجب عليه لهم شيء يحرم منه فعله لغيرهم؟
والجواب والله الموفق: أما الوالدان فيجب صلتهما وفعل المعروف إليهما ولو كانا كافرين، لقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ...}الآية إلى قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ على أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان:14،15].
وما أورده السائل من قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ...} الآية، فالمراد تحريم الموادة كما يدل عليه أول الآية وذلك لا ينافي صلتهما، وكذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ...}[التوبة:24] الآية، يدل على تحريم إيثار ما ذكره الله في الآية على طاعته وطاعة رسوله والجهاد في سبيله، وذلك لا ينافي صلتهما وفعل المعروف إليهما ما لم يكن بمعصية لله تعالى فتأمل.(1/228)


وأما سائر ذوي الأرحام فإن بقوا مع ارتكاب الكبيرة من أهل الملة ولم يكونوا بذلك مرتدين عن الإسلام فالحكم كذلك، أعني أن صلتهم -ما لم تكن بمعصية الله تعالى كأن يتوصلوا بها إلى محظور- واجبة؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ}[النساء:5]، وكلمة السفهاء في الآية تناول العصاة بدليل قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ...}[البقرة:142] الآية، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة:130]، ولقوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى...}[النور:22] الآية.
ووجه الاحتجاج بهذه الآية أنها نزلت في أبي بكر لما آلَ أن لا يصل مسطحاً بعد أن قذف عائشة بالزنا وكان بذلك ممن تولى كبره أي كبر الأمر وهو معظمه، وقد قال تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11] وجملة من تولى كبره منهم ثلاثة نفر: حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش؛ لأنهم صرحوا بقذفها، وجلدهم النبي صلى الله عليه وآله الحد كل واحد ثمانين، وقال في ذلك شاعر من المسلمين شعراً:
لقد ذاق حسان الذي هو أهله .... وحمنة إذا قالوا هجيراً ومسطحُ
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم .... وسخطة ذي العرش الكريم وأبرحوا
فصب عليهم محصبات كأنها .... شآبيب قطرٍ من ذرا المزن تسفح
فنهى الله سبحانه عن الإئتلاء المذكور ولم يشترط توبةً.(1/229)


ولما روى أبو طالب عليه السلام بإسناده إلى علي عليه السلام أنه قال: إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أهل بيتي أبَوا إلا توثباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة، أفأرفُضُهم؟ قال: ((إذاً يرفضكم الله جميعاً، قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله ظهير)).
وروى أيضاً بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أفضل الفضائل أن تعطي من حرمك، وتصفح عمن شتمك، وتصل من قطعك)) ونحو ذلك كثير ولعله متواتر معنىً إن بحث عنه، والله أعلم. [ولأنه لا يظهر فيما ذكرته على الجملة خلاف].
وإن كان ذوو الأرحام من أهل الكفر فإنها لا تجب صلتهم لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[النساء:141]، ولكن يستحب لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتقسطوا إليهم}[الممتحنة:8] الآية، ما خلا الوالدين فإنها تجب لقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ على أَنْ تُشْرِكَ بِي...}[لقمان:15] الآية، وقد تقدمت.(1/230)


[حكم أخذ الوالد من مال ولده]
وقال السائل: إذا أخذ الوالد من مال ولده وهو غني والولد كاره فهل يلزم الوالد الرد؟
والجواب والله الموفق: أنه قد قيل: إنه لا خلاف في أن للوالد أن يتصرف في مال ولده فيما يصلح الولد أو لنفسه إذا كان محتاجاً إلى حد الكفاية ولا يجوز له غير ذلك، فإن كان ذلك صحيحاً معلوماً فيه ونَعِمَ وإلا فقوله تعالى: {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء:23] يقضي بأنه ليس للولد أن يمنع أبويه ولايجرهما إلى الحاكم ولو كانا غنيين؛ لأن ذلك نص في النهي عن نهرهما مطلقاً في حال الفقر وحال الغنى، وقد رويت أخبار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله تؤدي ما ذكرناه.
منها ما رواه أبو طالب عليه السلام بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أموراً أوصى بها أبا ذر رحمه الله تعالى إلى أن قال: ثم قام إليه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله أوصني، فقال: ((بر والديك وإن أمراك أن تنخلع من مالك فافعل)) الخبر.
ومنها الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنت ومالك لأبيك)).
ومنها ما رواه في (الشفاء) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه))، وكذلك القول إذا طلب الوالد من الولد أن يخدمه وهو قوي، أو يجد من يخدمه بالأجرة والحجة واحدة.
وأورد السائل على ذلك بأن قال: فقد ذكر العلماء أنه من استعمل ولده الصغير في شيء من نحو ذلك لزمته الأجرة، فكذا نقول في الكبير إذا كان الوالد غنياً قوياً.(1/231)

46 / 85
ع
En
A+
A-