وروى عليه السلام في (الأمالي) أيضاً بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله يجمع فقراء هذه الأمة ومياسيرها في رحبة باب الجنة ثم يبعث منادياً فينادي من بطنان العرش: أيما رجل منكم وصله أخوه المؤمن في الله تعالى ولو بلقمة من خبز فليأخذ بيده على مهلٍ حتى يدخله الجنة، قال: وهم أعرف بهم يومئذ منهم بآبائهم وأمهاتهم، قال: فيجيء الرجل منهم حتى يضع يده على ذراع أخيه المكرم والواصل له فيقول: يا أخي أما تعرفني، ألست الصانع لي كذا وكذا؟ فيعرفه كل شيء صنعه به من البر والتحفة فقم معي، فيقول: إلى أين؟ فيقول: لأدخلنك الجنة فإن الله عز وجل قد أذن لي في ذلك فينطلق به آخذاً بيده لا يفارقه حتى يدخله الجنة، بفضل رحمة الله عز وجل لهما ومنِّه عليهما)).(1/217)


وروى الحاكم في (السفينة) عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلينا فقال: ((خرجت من عند خليلي جبريل آنفاً فقال: يا محمد، والذي بعثني بالحق إن لله عبداً من عباده عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل عرضه وطوله ثلاثون ذراعاً في ثلاثين ذراعاً، والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية، فأخرج الله له عيناً عذباً بعرض الأصبع [أبيض من بيض الحجر إذا رشح] بماء عذب فيستنقع في أسفل الجبل، وشجرة رمان تخرج له كل ليلة رمانة فيصوم يومه، فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه عند وقت الأجل أن يقبضه ساجداً، وأن لا يجعل للأرض ولا لشيءٍ عليه سبيلاً حتى يبعثه وهو ساجد ففعل، قال: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا صعدنا فنجده في العلم يبعث يوم القيامة، فيقف بين يدي الله تعالى فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي، فيقول الله تعالى للملائكة: قايسوا عمل عبدي بنعمتي عليه، فيوجد عليه نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلاً عليه...)) الخبر بطوله.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه في الجنة) في بعض خطبه: (وتالله لو انماثت قلوبكم انمياثاً، وسالت عيونكم من رغبة إليه ورهبة منه دماً، ثم عُمِّرتم في الدنيا ما الدنيا باقية، ما جزت أعمالكم ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم أنعمه عليكم العظام وهداه إياكم الإيمان).(1/218)


وقال عليه السلام في خطبة أخرى خطبها بصفين: (ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله).
وقال عليه السلام في خطبة أخرى: (رافق بهم رسله، وأراهم ملائكته، وأكرم أسماعهم أن تسمع حسيس نار أبداً، وصان أجسادهم أن تلقى لغوباً ونصباً: {ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:21]).
وقال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في دعائه المعروف ب‍(الصحيفة) في دعائه إذا استقال من ذنوبه، أو تضرع في طلب العفو عن عيوبه ما لفظه: (إلهي، لو بكيتُ إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت إليك حتى ينقطع صوتي، وقمت إليك حتى تنتشر قدماي، وركعت حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي، وأكلت ترب الأرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئة من سيئاتي، وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، وتعفو عني حين أستحق عفوك فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ولا أنا أهل له باستيجاب إذا كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني فإنك غير ظالم لي).
وقد نص القاسم عليه السلام في كتاب (الرد على الملحد)، والهادي عليه السلام في (الأحكام) على أن الأعمال شكر لله تعالى، وبالجملة إن ذلك إجماع القدماء من أهل البيت "، وبعض المتأخرين كالإمام شرف الدين عليه السلام.(1/219)


اللهم، إن هذا اعتقادي ولا حق لي عليك إلا ما تفضلت به، فأحيني على ذلك وأمتني عليه وابعثني عليه وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فإنه من احتج عليك بعمله ومَنَّ به عليك بعد فطرة العقل والإعذار والإنذار فإن حجته داحضة ومنُّه باطل، وكيف أحتج على من له الحجة! وأمنُّ على من له المنّة أعوذبك اللهم من ذلك في حياتي [وفي مماتي] ومبعثي، إنك على كل شيء قدير، وارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، بحق محمد الأمين وآله الطيبين الطاهرين.(1/220)


[مسائل في تفسير بر الوالدين وعقوقهما]
وقال السائل: ما تفسير البر للوالدين والعقوق الذي من فعله دخل النار لا محالة؟
والجواب والله الموفق: أما البر فهو فعل المعروف والإحسان إليهما باللسان والأركان، كما قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:23،24].
وأما العقوق الذي من فعله دخل النار لا محالة فهو الإساءة إليهما كما قال تعالى: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء:23].
وقال السائل: وهل من جملة البر بهما تعظيمهما فوق تعظيم سائر المؤمنين وسمع أمرهما في شيء من أمور الدنيا؟(1/221)

44 / 85
ع
En
A+
A-