[مسائل في الموالاة]
وقال السائل: ما تفسير الموالاة؟
والجواب والله الموفق: أنها ضد المعاداة بلا خلاف، وقد عرفت حقيقة المعاداة فيما سبق، فإن أردت توضيح ذلك فهي: محبة المحاسن للغير وكراهة المساوئ مع النصيحة وعدم الخذلان حسب الإمكان؛ لأن من خذل لم يكن منه ضد المعاداة ضرورة.
وقال السائل: [فإن قيل]: هي أن تحب له كلما تحب لنفسك وتكره له كلما تكره لنفسك.
قلنا: فهل هذا على إطلاقه؟
فإن قيل: نعم.
قلنا: من جملة المكلفين بذلك الفساق، وهم يحبون لأنفسهم الترفع والمعاصي.
والجواب والله الموفق: أنه يجوز أن تفسر المعاداة بذلك كما ذكره الإمام المهدي عليه السلام في (البحر)، وكما مرّ في الحديث المتقدم من تفسير المعاداة، ثم لا يرد ما أورده السائل إلا على معتبري المنطق بمثل ما تقدم في تفسير المعاداة من غير زيادة ولا نقصان.(1/202)
[وجوب فعل المكلف سبب المحبة للمؤمن]
وقال السائل: فهل يجب أن يفعل المكلف للمؤمن سبب المحبة والمودة كالمواصلة والمواكلة وكالمهاداة وغيرها حيث لم يحدث الله في قلبه المحبة؟
والجواب والله الموفق: أنه لا يبعد وجوب ذلك؛ لأنه من المعاونة على البر والتقوى، [وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أفشوا السلام وتواصلوا وتباذلوا)) وذلك أمر، والأمر يقتضي الوجوب كما مر تحقيقه.(1/203)
[معرفة أسباب المحبة]
وقول السائل: حيث لم يحدث الله في قلبه المحبة تصريح بأن المحبة من فعل الله وذلك باطل؛ لأنها لو كانت من فعل الله لم يحسن الأمر بها لله ولرسوله وللمؤمنين، والنهي عنها لمن حاد الله ورسوله، ولا كان يستحق بها ثواب ولا عقاب كما لا يستحقان بالطول والقصر، قال الله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] وهذا بمعنى الأمر يستحق ممتثله الثواب، وقال تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ...}[المجادلة:22] الآية، وهذا بمعنى النهي يستحق مخالفه العقاب.
فإن قيل: إن المحبة قد لا يمكن دفعها كمحبة الزوجة، ولو كانت من فعل الإنسان أمكنه دفعها.
قلت وبالله التوفيق: إن المحبة تتولد في القلوب من أسبابها فمتى حصل السبب حصلت، ومتى انتفى انتفت فهي كالحرارة المحسوسة المتولدة بمقاربة النار وكالبرودة المحسوسة المتولدة بمقاربة الثلج، والإنسان متمكن من تحصيل المحبة بتحصيل سببها كتمكنه من تحصيل حس حرارة النار بتقريبها، ومن حس برودة الثلج بتقريبه، ومتمكن من ترك المحبة بترك سببها كتمكنه من ترك حس حرارة النار بتجنبها، ومن ترك حس برودة الثلج بتجنبه، وقد يكون السبب من الله فلا يقدر على دفعه كالمعذبين في النار وفي الزمهرير.
ومحبة الزوجة قد يتمكن الإنسان من تركها بقطع العلائق بينه وبينها ولو لم يكن إلا بأن لا يعرفها.(1/204)
وقد يكون سبب المحبة من الله سبحانه كمحبة ما جبل عليه من الأكل والشرب والنكاح وغيرها، فهذه المحبة لا يحس الأمر بها ولا النهي عنها ولا يستحق عليها عقاب ولا ثواب؛ لعدم التمكن من تحصيل السبب ومن تجنبه فتأمل ذلك ولا تستبعده، فإن له نظائر كما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في عهده للأشتر حيث قال: (فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله سبحانه) [فذكر عليه السلام أن تلك غرائز، وأن سببها سوء الظن بالله سبحانه وتعالى]، ولهذا حس النهي عنها والعقاب عليها لما كان صاحبها متمكناً من تحصيل سببها ومن تجنبه وهو سوء الظن بالله سبحانه.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورحمة}[الروم:21]؟
قلت وبالله التوفيق: إنه سبحانه يجعل أسباب المودة كالشباب والحسن ونحوهما كجعله للنار التي هي سبب لحس حراراتها وأنت متمكن من مقاربة ذلك، ومن قطع العلائق بينك وبينه ضرورة.
فإن قيل: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها))؟
قلت وبالله التوفيق: لا شك أن القلوب مجبولة على ذلك كما أن الأجساد مجبولة على حس حرارة النار وحس برودة الثلج وذلك لا ينافي الاختيار كما تقدم تحقيقه.(1/205)
[تحريم الدعاء بالرحمة والإستغفار لأهل الكبائر]
وقال السائل: لِمَ لا يجوز الدعاء بالرحمة والاستغفار لأهل الكبائر وقد قال تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ}[الشورى:5]؟
والجواب والله الموفق: أن ذلك لا يجوز لقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}[النساء:123]، وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:18] أي يقبل كقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام:116] أي: إن تقبل، فلو كان ذلك جائزاً لكان الداعون لهم بالرحمة والمستغفرون أولياء وأنصاراً بذلك وشفعاء؛ لأن الشفاعة ليست إلا طلب الشيء للغير كطلب الرحمة لهم والمغفرة، ولقوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }[التوبة:113] وذلك نص صريح في تحريم الاستغفار للمشركين معلَّل أنهم من أصحاب الجحيم، والفساق مشاركون لهم في العلة؛ لأنهم من أصحاب الجحيم بالدلائل القطعية نحو ما مر الآن فثبت تحريم الاستغفار لهم لمشاركتهم للكفار فيما علق تحريم الاستغفار به، ولقوله تعالى: {فَإِنَّ الله لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:96] وإذا كان لا يرضى عنهم فلا يجوز الدعاء لهم بالرحمة؛ لأن الله نهى نوحاً عليه السلام عن الدعاء لولده الذي تخلف عنه فقال: {فَلاَ(1/206)