[المقصود بحسن الخلق]
وقال السائل: ما تفسير حسن الخلق؟
والجواب والله الموفق: أن خلق الرجل حاله وما يتصف به ويستمر عليه من قبيل أفعاله وأقواله وتروكه الواقعة باختياره كالسخاء والسماحة ولين الجانب ولين الكلام والشجاعة والطاعة، وتجنب أضداد ذلك من الفعل والترك، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4] أي: على حال عظيم وصفة عظيمة، وهي استمرارك على ما أمرناك به ونهيناك عنه.
وفي (نهج البلاغة) ما لفظه: وقال عليه السلام وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهّاقين الأنبار فترجلوا له واشتدوا بين يديه: (ما هذا الذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا. فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتَشِقُّون به على أنفسكم [في دنياكم] وتشقون به في آخرتكم). الخبر.
وقال أبو الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله .... عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال غيره:
ومن يقترف خلقاً سوى خلق نفسه .... يدعه وترجع إليه الرواجع
ومن ذلك قول حسان بن ثابت شعر:
قومٌ إذا حاربوا ضروا عدوهم .... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة .... إن الخلائق فاعلم شرها البدع
فالخلائق: جمع خليقة وهي الخُلق.
إذا عرفت ذلك فحسن الخلق الاستمرار والتعود لما يحمد من كل فعل أو ترك، وقد غلب في العرف على لين الجانب وضده على شراسة الجانب.(1/187)
[وجوب حسن الخلق على المؤمنين لبعضهم]
وقال السائل: هل يجب حسن الخلق على المؤمنين من بعضهم لبعض؟
والجواب والله الموفق: أن تعود ما يجب على المؤمنين واجب وما يندب لهم مندوب؛ إذ ذلك معنى حسن خلق المؤمن للمؤمن كما تقرر، ووجه الوجوب والندب في ذلك ظاهر.(1/188)
[حكم حسن الخلق للكفار والفساق]
وقال السائل: هل يجوز للمؤمن أن يحسن خلقه للكفار والفساق؟
والجواب والله الموفق: أنه إن كان يرجى صلاح من كان كذلك أو كان لا يستمع حجج الله عليه أو لا يعين على إقامة المعروف وإزالة المنكر إلا بالإحسان إليه ولين الجانب وجب ذلك؛ لقوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى}[طه:44]، فأمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بلين القول لفرعون، وقد أمر بالاقتداء بهم كما مر في أثناء هذا الجواب.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]؛ ولأن ما يرجى منهم من الدخول في طاعة الله تعالى، والمعاونة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة البر والتقوى، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2] فحسن الخلق من جملة المعاونة على ذلك.
وإن كانوا قد عرفوا بحجج الله سبحانه ولم يرج دخولهم في طاعة الله تعالى ولا المعاونة على إقامة المعروف وإزالة المنكر وجب التكبر عليهم والتصغير بهم كما صغر الله بهم ما أمكن؛ ولأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين كما أخبر الله تعالى، وهذا مما لا خلاف فيه.(1/189)
[حكم رد السلام عليهم]
وقال السائل: فما حكم رد السلام عليهم؟
والجواب والله الموفق: أنهم إن كانوا ممن لا يحل قتالهم لذمة أو غيرها فلا بأس به لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ...}[الممتحنة:8] الآية، ورد السلام من جملة البر.
ولما روى الهادي عليه السلام في (الأحكام) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن اليهود إذا سلموا عليكم فإنما يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم)) فلم ينه صلى الله عليه وآله عن رد السلام، وإنما أمر صلى الله عليه وآله أن يرد عليهم بمثل ما قالوا، لكن يجب أن نحترز من الدعاء لهم بما لا يجوز من نحو المغفرة والرحمة في المستقبل، والأصل في ذلك قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ...} إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113]، والفساق من أصحاب الجحيم بالأدلة القاطعة، وعلى ذلك إجماع أهل البيت ".
وقال السائل: فإذا قال المبتدئ فاسقاً كان أو كافراً لا يحل قتاله عند ابتدائه بالسلام ورحمة الله فهل يجب الرد لذلك لقوله تعالى: {أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86].(1/190)
والجواب والله الموفق: أن ذلك لا يجوز إذا كان بمعنى الرحمة في المستقبل، وإذا كان بمعنى الرحمة الراهنة جاز؛ لأنها من الله شاملة للعصاة والمطيعين بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ، إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ}[يس:43،44].(1/191)