[حكم المعاملة ببيع الرجا]
وقال السائل: إن الناس مطبقون على هذه المعاملة.
والجواب والله الموفق: إن عنى بذلك الإجماع، فالعلماء يعلمون بطلانه؛ لوقوع الخلاف في ذلك.
وإن عنى كثرة المتعاملين في ناحيته فلا يجدي ذلك في صحته.
وقال السائل: فإن قيل: إنه حيلة في تصحيح بيع الرجا وقد ثبت بطلانه.
قلنا: ما أجيب به عن العدول إلى البيع الناجز والإجارة ونحوهما فجوابه مثله.
والجواب والله الموفق: أن قوله: فإن قيل: إنه حيلة في تصحيح بيع الرجا لم يصدر عن فطانة؛ لأنا لا نقول: إن بيع الرجا حيلة في تصحيح نفسه، ولا غيرنا ممن يبطله يقول بذلك، ولكنهم قد قالوا: إنه حيلة في تحليل الربا والحيل لا تجري على الله تعالى؛ لأن الحيلة خديعة، والخديعة لا تقع إلا على من يصح عليه الجهل والله متعالٍ عن ذلك؛ لأنه يعلم السر وأخفى.
وقوله: ما أجيب به عن العدول إلى البيع الناجز والإجارة ونحوهما، فجوابهم مثله، ليت شعري! ما الذي يرد على البيع الناجز والإجارة ونحوهما إذا كانت صحيحة حتى يجاب عنه فيكون جوابه عن بيع الرجا مثله، وهذه مجادلة في ميدان الإنصاف، وإلا فالعالم الورع لا يوجب الجواب على مثل ذلك؛ لأن البيع الصحيح تشهد به صرائح الأدلة من الكتاب والسنة على أنه معلوم من الدين ضرورة فهذا بيع الرجا بالغ هذه الرتبة فيجب عند السائل بصرائح الأدلة من الكتاب والسنة والعلم [من الدين ضرورة]، أين الثريا من ثرى التراب!!؟(1/177)


وقال السائل: الناس مجمعون على أن للإنسان التصرف في ماله بما شاء من هبة وعارية ونذر ووقف، وغير ذلك على غرض وعلى غير غرض، والأغراض قد تعلق بالنقدين أكثر من غيرهما من الأرض والدار ولا سيما لأهل التجارة.
والجواب والله الموفق: أن الإجماع على جواز التصرف في جميع ما ذكره السائل لا يدل على تصحيح بيع الرجا وأنى له ذلك! وقد دل الدليل على أنه داخل في جملة القرض الواقع بشرط الاستغلال مدة بقاء الأرض كما تقدم تحقيقه، والإجماع منعقد على أن القرض إذا كان كذلك أنه لا يصح ولا يحل.
فإن عنى السائل بأن بيع الرجا مشارك لما ذكره في تعلق الغرض بالتصرف في المال به فيكون مقيساً على ذلك بجامع العلة فذلك باطل؛ لأن تلك العلة من الطرد المهجور عند العلماء؛ إذ لو كانت معتبرة في ذلك لوجب أن يعتبر في الربا الذي لا مخالف فيه؛ لأن الغرض قد يتعلق به في بعض الأحوال ولا سيما أهل التجارات ومن يطلب الربح ويبالغ فيه ويحبه.
فإن قيل: إن الربا قد خرج من ذلك بالنص إذ لولا النص لكان داخلاً.
قلت وبالله التوفيق: وهذا قد وقع النص على أنه غير صحيح أولا، وبعدم صحته التحق بما قد خرج من ذلك بالنص ثانياً فارجع إليه وتأمله.(1/178)


وعن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام في حديث طويل في ذم المخالفين لكتاب الله تعالى يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ويستحلون الحرام والمعاصي والشبهات والأسماء الكاذبة فيستحلون الربا بالبيع)) الخبر بطوله، رواه في (حقائق المعرفة)، وهذا ربما كما تقرر قد استحل بالبيع أي بلفظ البيع كما يفعله الداخلون فيه، وبالقياس عليه كما حاول السائل في هذا الموضع، والحديث صحيح لموافقته لقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة:275].(1/179)


[حكم النذر المشروط بفعل أمرين محظورين]
وقال السائل: ما يلزم في النذر المشروط بفعل أمرين محظورين الخارج مخرج اليمين نحو أن يقول قائل: إن لم أنم نميمة، وأغتاب أحداً من المسلمين مثلاً فعليه ثلاثون حجة، وثلاثون حرفاً ثم فعل أحدهما.
والجواب والله الموفق: أنه لا يعطف بالواو إلا عند تعذر الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه بلفظ واحد كالمثنى والمجموع؛ إذ المعطوف والمعطوف عليه بالواو بمعنى ذلك يدل على استقراء لغة العرب، وهو يفيد القطع.
وإذا نذر ناذر بحج أو غيره إن كلم رجلين أو رجالاً ثم كلم البعض فإنه لا يلزمه شيء؛ لأن البعض غير الذي دل عليه اللفظ الذي علق به النذر، وهو المثنى والمجموع وكذلك المعطوف والمعطوف عليه بالواو؛ لأن الحكم واحد كما تقرر.
وقال السائل: فإن التبس عليه فلم يدر أكان العطف بالواو؟ أم كان بأو المفيد التخيير؟ أو كان الشرط بأحدهما من غير عطف وقد فعل واحداً فقط، فما يلزم في ذلك؟(1/180)


والجواب والله الموفق: أن الأحوط الوفاء بالنذر مع ذلك؛ لأن النذر في الجملة يجب الوفاء به إذا كان طاعة مقدورة لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}[الحج:29]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من نذر نذراً فعليه الوفاءُ به)) الخبر ونحوه، وبراءة الذمة مع التباس وقوع الشرط لا يعلم لو حكم بها، والله يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:36]، وليدفع بذلك الشك والريب، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، وبعضهم يقول: إنه لا يلزمه شيء في ذلك، ويحتج عليه بأن الأصل براءة الذمة، وما ذكرناه من الكتاب والسنة بحجة؛ لدلالته على انتفاء حكم الأصل كما توضح آنفاً.
وقال السائل: هل يكفي غالب الظن في عدم حصول الشرط في ذلك؟
والجواب والله الموفق: أنه لا يكفي حصول الظن لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:36]، وقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم:28] فاعلم ذلك.(1/181)

36 / 85
ع
En
A+
A-