والجواب والله الموفق: أن حكم فعله في ذلك مثل ما تقدم، والدليل واحد فليعتبر هنا على حد اعتباره هنالك إذ لا مخصص.(1/167)


[حكم النذر لجنس معين هل يتجاوز إلى غيره بالإطعام]
وقال السائل: من نذر لمشهد أحمد بن الحسين عليه السلام مثلاً، وغرضه أن يكون للإطعام هل يصح لمن كان مجاوراً له من الفقراء والأيتام والضعفاء من الرجال والنساء، ولو لم يكن منهم أحياء في ذلك المشهد من قراءة علم أو قرآن؟
والجواب والله الموفق: أن العبرة في ذلك بقصد الناذر، فإن قصد أنه لا يطعم إلا من أحيا في المشهد دون من جاوره لم يجز تعدي ذلك، وإن قصد أن يطعم المحيي والمجاور من نحو الذين ذكرهم السائل جاز، ولا يظهر في ذلك اختلاف؛ ولأنه كالنذر لزيد لا يجوز أن يصير منه شيء إلى عمرو إلا إذا أشركه الناذر فيه إذ لا فرق.
فإن قيل: فإذا لم يعرف للناذر قصد سوى مجرد الإطعام!
قلت وبالله التوفيق: إن كان قد عرف أنه يتعدى بالإطعام في ذلك المشهد إلى المجاورين له عرفنا دخولهم في قصده لما أطلق نذره ولم يقصره على المحيين وإن كان لا يعرف إلا أن الإطعام فيه لا يكون إلا للمحيين أو الوافدين لم يجز أن يجعل النذر طعماً إلا لمن كان يعرف أنه يطعم من الصنفين المذكورين، لأنه المعروف حينئذٍ من قصده، وإن كان لم يطلع على شيء من ذلك رأساً وقد بلغه أنه يوصي للمشهد في الطعم وينذر له وجعل نذره من جملة ذلك جعل حيث يجعل ذلك على العادة المعروفة مع المتولين من أهل الصلاح والتحري؛ لأنه قد عرف من قصده أنه يجعل نذره حيث يجعل ما سبقه من النذور والوصايا حيث أطلق ولم يبين المصرف، والله أعلم.
وقال السائل: وهل يصح أيضاً أن يطعم من تلك النذور من كان يحيا في المشهد أو يفد إليه وهو غير عدلٍ؟(1/168)


والجواب والله الموفق: أن الوافد المذكور إن لم يتوصل بذلك إلى فعل محظور ولا مضرة أحدٍ من المسلمين ولا أهل الذمة فلا بأس أن يطعم؛ لأنه قد صار من جملة المستحقين ولو كان غير عدل لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8] ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اصطنع المعروف إلى من هو أهله ومن ليس بأهله)) الخبر رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام).(1/169)


وعن الهادي عليه السلام في (الأحكام) أيضاً أنه قال: (وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يطعم اليهود ويهب لهم وهم به كافرون، ولما جاء به من الحق جاحدون، اللهم إلا أن يستثني الناذر غير العدل لم يجز أن يطعم، والوجه نحو ما تقدم، وإن كان الوافد المذكور يتوصل به إلى فعل محظور أو مضرة أحد من المسلمين أو من أهل الذمة لم يجز؛ لأن ذلك من المعاونة له على فعله، والله يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2] ولا يقال: إن المعاونة تفتقر إلى القصد؛ لأنه خلاف المعلوم من استقراء لغة العرب حسبما قررته في كتاب (التحذير) ولنذكر من ذلك قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ على رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:55] أي معيناً، والكفار لا قصد لهم على المظاهرة التي هي المعاونة على الله بدليل قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلْفَى}[الزمر:3].
وقال السائل: فإذا لم يصح الإطعام وذلك حيث خولف قصد الناذر أو كان يتوصل به إلى معصية فعلى من الضمان؟ أعلى المتولي؟ أم على الآكل؟
والجواب والله الموفق: أنه يجب على الوالي للمشهد ضمان ما أخرجه من ذلك لتعديه، ولا يظهر في مثل ذلك اختلاف، وعلى الآكل قيمة ما أكل لبيت المال؛ لأنه حينما استهلكه الوالي متعدياً بذلك ولم يتمكن من رده إلى المصرف وقيل الغرامة لتصير لبيت المال، والأصل في ذلك خبر شاة الأسارى، وليس من كان غير عدل بمصرف لبيت المال على ما تقرر في أثناء الجواب.(1/170)


وقال السائل: فهل يجب أن يصرف ما وجب بالضمان في ذلك الموضع فقط؟
والجواب والله الموفق: أما ما وجب على الوالي من الضمان فإنه يجب أن يرده إلى المشهد، والوجه في ذلك ظاهر، [وأما الأكل فإنه يجب أن يضعه في بيت المال حيث كان، وإلا وجب أن يصرفه في مصرفه حيث كان، والوجه أيضاً في ذلك ظاهر].(1/171)

34 / 85
ع
En
A+
A-