[حكم من قبض جميع ماله وفيه الزكاة]
وقال السائل: من قبض جميع ماله وفيه الزكاة أو قبض بعض ما يجب فيه العشر، وقلنا: إن العشر يجب في القليل والكثير، وغلب في الظن أن مالك المال لا يخرجها أو يخرجها إلى غير مصرفها في اعتقاد القابض، فهل له أن يخرجها من المال بغير إذن المالك؟
والجواب والله الموفق: إن كان المالك يأذن له بإخراجها لم يجز إخراجها إلا بإذنه ولا أعلم في ذلك اختلافاً، وإن كان لا يأذن له وكانت مما يجب إخراجها من نفس المال نحو أن يكون من زكاة النقدين أو من الأعشار، وبلغ المكيل منه خمسة أوسق لصحة خبر الأوساق وجب عليه إخراجها من نفس ذلك المال؛لأنها قد تعينت فيه لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله تعالى فرض في مال الغني في كل مائتين خمسة)) الخبر، وقوله صلى الله عليه وآله في كتابه لعمرو بن حزم: ((ما سقت السماء إذا كان سيحاً أو بَعْلاً، ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق)) الخبر، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر)) ونحوه، ولا يضمن لرب المال شيئاً لقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا}[النساء:58]، وليس أهلها بعد منع رب المال لها، أو جعله لها في غير مستحقها إلا مصرفها بلا إشكال، فقد صار بعد إخراجه لها من المحسنين لامتثال رب العالمين، وهو يقول: {مَا على الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة:91].
فإن قيل: فهل يبرئ المالك بذلك؟(1/162)


فالجواب والله الموفق: أنه يبرئ بذلك وفاقاً لأحمد بن عيسى، وللقائلين بأن من كان من أهل الصلاح فله استيفاء الحقوق في غير وقت الإمام كالأمير الحسين عليه السلام، وخلافاً لكثير من العلماء.
والحجة لنا عليهم: أن الزكاة قد تعينت في المال بدليل ما مر، وكان لمالكه تعيينها حيث كان أميناً، فلما ظهرت خيانته بالمنع أو جعلها في غير مستحقها لم يبق أميناً عليها فلم يكن إليه تعيينها بعد ذلك بإجماع العترة "، على فعل مصدق الإمام مع الممتنع من تسليمها، فلما لم يكن إليه أن يعينها بعد ذلك فقد تعينت في المال المقبوض، وكان القابض له قد قبضها من جملته فوجب عليه إخراجها إلى مصرفها، لقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا}[النساء:58].
فإن قيل: إن إخراجها يفتقر إلى النية.
قلت وبالله التوفيق: ليس لمالك المال إلا تعيينها فقط؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجبها فيه فهي مع أصل المال المزكى كالمال المشترك بغير فرق إلا التحكم، ولقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خذ الحب من الحب)) الخبر ونحوه، والأخذ ينافي نية المالك ضرورة، ولإجماع العترة على فعل مصدق الإمام مع الممتنع من إخراجها، وبدليل وجوب الزكاة في أموال ناقصي العقول كالصبي والمجنون، فلو كانت تفتقر إلى النية لم تجب عليهم الصلاة والصيام وسائر الواجبات.(1/163)


وإن كانت لم تعين في المال المقبوض كزكاة خمس من الإبل إذا قبضها لم يجب على القابض شيء؛ لأنه لم يقبض الزكاة مع جملة المال المزكَّى كالصورة الأولى، فيجب عليه أداؤها إلى أهلها، فلم يتناوله قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا}[النساء:58].(1/164)


[حكم من أوصى بشيء حسن وهو عاصٍ]
وقال السائل: من أوصى بغلة بعض أراضيه في قراءة قرآن أو حج، والفرض أنه عاص، هل تصح وصيته؟
والجواب والله الموفق: أن وصيته غير صحيحة إن مات مصراً على عصيانه؛ لأنه جعل ذلك قربة، والله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27]، ويقول تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23]، وقد صح لي من مذهب الهادي عليه السلام مثل ذلك.
وأهل الموازنة يقولون بصحة الوصية.
والحجة عليهم ما مر في جواب هذه المسألة، وما تقدمه في أثناء الجواب فارجع إليه.
وقال السائل: فماذا يفعل الوصي بتلك الغلة، وكذلك من قبض شيئاً منها؟
والجواب والله الموفق: أنه يجب أن يصيرها الوصي ومن قبضها إلى الوارث لعدم خروجها من جملة الموروث بدليل ما تقدم.
وقال السائل: فإذا استأجر الوصي من يقرأ أو يحج عن الميت بغير مبالاة هل يضمن؟ وكذا القارئ والحاج هل يضمن ما قبضه؟
والجواب والله الموفق: أن الوصي والقارئ والحاج عن الميت يضمنون؛ وذلك لأنه تصرف في المال بغير إذن مالكه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة:188]، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((على اليد ردُّ ما أخذت)) اللهم، إلا أن يأذن الوارث بذلك في حال صحة تصرفه فلا ضمان عليهم بلا خلاف أعلمه.(1/165)


[حكم قراءة الفاسق وحجه عن الميت]
وقال السائل: فإذا صحت الوصية فهل يصح أن يقرأ الفاسق أو يحج عن الميت؟
والجواب والله الموفق: أنه لا يصح أن يقرأ الفاسق ولا يحج عن الميت ولا بد أن يكون القارئ أو الحاج عن الميت من المؤمنين؛ لأن الوصية بالقرآن لا تكون إلا متوسلاً بها إلى الله تعالى في أن يغفر للميت ويرحمه كالرقية أو نيابة عنه كالتحجيج وأيهما كان فهو من الفاسق غير مقبول لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27] ونحو ذلك.
وقال السائل: هل يضمن الفاسق ما قبضه لأجل ذلك؟
والجواب والله الموفق: إن كان مدلساً بالتزيي بزي العدالة ضمن؛ لأن المؤجر له على ذلك لم تطب نفسه بما سلم إليه لو لم يدلس عليه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة:188]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)).
وإن كان غير مدلس وفسقه ظاهر مكشوف لمن أجّره على ذلك لم يضمن؛ لأنه أعطاه بطيبة من نفسه هذا حيث كان المؤجر هو الوارث المرشد لا الوصي الأجنبي فيضمنان معاً، والدليل ما تقدم.
وقال السائل: فهل للفاسق بعد ضمانه لما قبض أن يستأجر للميت من يقرأ له؟
والجواب والله الموفق: أنه ليس له ذلك؛ لأنه ليس بوصي فهو كما لو أجّر عنه سائر المعرضين إذ لا فرق، وذلك لا يصح بلا خلاف.
وقال السائل: فإذا كان المستأجر للقراءة أو الحج لنفسه حياً، ووقع ذلك في حال حياته، هل يكون حكم فعله في ذلك مثل ما تقدم؟(1/166)

33 / 85
ع
En
A+
A-