[حكم المضاربة بمال الأولاد]
وقال السائل: هل للوالد أن يضارب بمال ابنه من نفسه أو يوكل من يضاربه بمال ولده؟
والجواب والله الموفق: قد ذكروا أن مثل ذلك لا يصح، قالوا: لأنه يتعلق به الحقوق من كلا الطرفين نحو المطالبة، والقبض، والإقباض، وأنا لا أرى منعاً من ذلك إذا كان الوكيل ناصحاً غير غاش، ولا مقصرٍ لقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ...}[المائدة:8] الآية، ولما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ألا وإن الدين النصيحة)) الخبر ونحوه، فإذا نصح للموكلين فقد قام بالقسط، وإذا قد قام بالقسط فما الداعي إلى إبطال الوكالة؟
فإن قيل: إن مطالبة الرجل نفسه لا يصح وإذا كان البائع موكلاً بالشراء لم يتميز إقباضه للمبيع عن نفسه وقبضه عن موكله بالشراء.
قلت وبالله التوفيق: أما المطالبة فليست بصفة لعقد البيع يفسد إن عدمت، ويصح إن ثبتت؛ لأنه يصح البيع والقبض والإقباض من دون مطالبة، وذلك مما لا يظهر فيه اختلاف بين المسلمين.
وأما القبض والإقباض، فقد قال صلى الله عليه وآله: ((الأعمال بالنيات))، فإذا قبضه من نفسه عن نفسه في هذه الصورة أو عن موكله بالبيع في غيرها وقبضه عن موكله بالشراء إن لم يكن مشترياً موكلاً بالبيع، فما المانع من ذلك؟
فإن قيل: إن ذلك يؤدي إلى التشاجر لو تلف المبيع قبل صيرورته إلى المشتري أو الثمن قبل صيرورته إلى البائع.
قلت وبالله التوفيق: لا تشاجر مع ائتمان بعضهما لبعض، فإن استخان أحدهما صاحبه وجب على الوكيل في ذلك مثل ما يجب عليه لو انفرد بالوكالة من أحد الطرفين إذ لا فرق.(1/137)
وقال السائل: فإذا تصرف في مال ابنه فيما هو أصلح له من البيع والشراء وغيرهما، بنية الأجرة فكم يستحق؟
إن قلتم أجرة المثل، فلعلها لا تعرف في بعض البلدان؛ لعدم الاستئجار على نحو ذلك في بلده تلك.
والجواب والله الموفق: أنه يجب على الأب أن يجتهد في تقدير الأجرة إذا لم يعرف إجرة المثل، فإن لم يهتد باجتهاده إلى تقديرها طلب عدلين يقدران له ذلك بالنظر، والاجتهاد، والقياس، والتقريب من الأعمال التي يقع عليها الأستئجار في بلده أو ما يقرب منها على قدر وجود العاملين بالأجرة في القلة، والكثرة والتيسير، والتعسير ويعمل في ذلك على ما يريانه من الصواب؛ لأن الله سبحانه قد اعتبر رأي العدلين فيما لم يكن أمره معروفاً متضحاً للمكلفين، وذلك جزاء الصيد، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}[المائدة:95]، وهذا أصل واضحٌ من كتاب الله تعالى يجب الرجوع إليه في مثل ذلك؛ لأن العلة واحدة، وهو عدم إيضاح الأمر، وقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله وَالرَّسُولِ}[النساء:59]، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله، وما لم يتضح الأمر فيه فلا شك في وقوع النزاع فيه ولو لم يكن إلا عدم التسليم لما فعل منه، فتأمل.
فإن قيل: فعلى هذا يلزم أن لا يفعل في ذلك باجتهاده، وأنه يجب عليه الرجوع إلى قوله: {عدلين} بأول وهلة.(1/138)
قلت وبالله التوفيق: لو لم يكن الأب موكلاً إلى نظره فيما يصلح ولده إذا كان عدلا لوجب ذلك، لكن الأب أولى بذلك من العدلين؛ لقوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ...}[الأنفال:75] الآية، وذلك يشمل الولاية، وغيرها إلا ما خصه دليل على أنه لا يظهر في ذلك اختلاف.(1/139)
[حكم من عليه مظالم لا يفي ماله بذلك]
وقال السائل: من كان عليه واجبات نحو مظالم، وكان ماله لا يفي بذلك، أيستثنى له ما يستثنى للفقير من المنزل والخادم والثياب، وزيادة على ذلك المستثنى دون النصاب؟ أم لا يستثنى له إلا ما يستثنى للمعسر؟
والجواب والله الموفق: أنه لا يستثنى له إلا ما يستثنى للمعسر؛ لأن ذلك دين لازم له، يجب عليه التخلص منه، والخروج من عهدته، وأداؤه إلى أهله؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ}[البقرة:280]، وذلك نص صريح في أنه لا نظرة إلا لذي العسرة؛ ولقوله صلى الله عليه وآله: ((ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)).
قال السائل: في ذلك إشكال؛ لأنه إذا صح أن يصرف فيه الزكاة، والمظالم لزم أن لا يجب أن يخرج إلا ما وفي النصاب والزائد عليه!
والجواب والله الموفق: أنه لا وجه للزوم؛ لأن استحقاقه الزكاة والمظالم ليس بمانع لوجوب قضاء الدين بالإجماع [المعلوم].(1/140)
[حكم التلفظ بكلمة الكفر]
وقال السائل: من تكلم بكلمة الكفر مختاراً لغرض من الأغراض كأن تتكلم به المرأة لينفسخ نكاحها ونحو ذلك، هل تقع بذلك الردة ولو لم يطابقه الاعتقاد؟
والجواب والله الموفق: أن كلمة الكفر سب لله تعالى، إذا قال: إن الله تعالى علواً كبيراً عمَّا يقول الظالمون له شريك، ونحو ذلك أو إظهار لعداوته تعالى إذا تبرّأ من الله تعالى، أو سبّ لرسوله، إذا قال: إن رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله ليس بنبي، أو إظهار لعداوته إذا تبرّئ منه والسبّ لله ولرسوله وإظهار عداوة الله ورسوله كفرٌ، وذلك معلوم من الدين ضرورة، وهذا قد شرح بما لفظ به من ذلك صدراً، ولم يكره عليه ولم يستثنِ الله تعالى في كتابه، إلا المكره قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}[النحل:106].
وروى الهادي عليه السلام في (الأحكام) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من سبني فاقتلوه)).(1/141)