وأما كونه متوصلاً به إلى تحليل المحرم؛ فلأنه قد جعل المشتبه الذي لا يحل ثمناً لرأس مال السلم، ولم أدر ما تلك الضرورة الداعية [إلى فعل ذلك] التي ذكرها السائل فقوله: لم يكن حيلة في تحليل محرم باطل.
وقال السائل: من كان مضطراً إلى المعاملة أو غيرها من الحرف لعدم ما يستغني به من نحو مستغل، ولا يتحصل له بذلك شيء إلا من النقدين المذكورين، وهو غني لا لمصلحة فيه أو فقير غير عدل، وغير معذور من التكسب لأجل الضرورة، هل تجوز له المعاملة بذلك من غير إثم ولا ضمان لأجل الضرورة؟
والجواب والله الموفق: أما الغني فليس بمضطر إلى المعاملة بذلك، فلا وجه لإيراده في السؤال.
وأما الفقير الذي ليس بعدلٍ فلا يحل له ذلك لما تقدم من الدليل على تحريمه.
قال السائل: فمن أين ينفق على نفسه وعوله؟(1/127)
والجواب والله الموفق: أن الحلال مع ذلك غير معدوم بدليل قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ على الله رِزْقُهَا}[هود:6]، فليتق الله في ذلك، فقد تكفل الله له برزقه قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2،3]، ولا يظن بالله سوءاً؛ فإن ذلك من أمر الشيطان -لعنه الله- قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}[البقرة:268]، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حرم)) رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي).(1/128)
[حكم الزكاة في المسلم فيه]
وقال السائل: من أسلم جميع رأس ماله الذي تجب فيه الزكاة قبل تمام الحول وقبض المسلم فيه بعد تمام الحول أيعتبر رأس المال في وجوب الزكاة؟ أم يعتبر المسلم فيه؟
والجواب والله الموفق: أنه يعتبر في وجوب الزكاة المسلم فيه لخروج رأس المال عن ملكه بأن صار ديناً مرجواً عند وجوبها، والأصل في ذلك قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103]، وقوله صلى الله عليه وآله لمعاذ: ((اعلمهم أن في أموالهم صدقة...)) الخبر، فرأس المال لم يكن من ماله بعد عقد السلم الصحيح، وإخراجه عن ملكه والمسلم فيه قد صار من ماله.
وقال السائل: إذا وجبت الزكاة في المسلم فيه، فكم يكون المخرج حيث اختلفت قيمته؟
والجواب والله الموفق: أنه يكون بحسب قيمته يوم وجبت الزكاة، وذلك عند تمام حول مبدله، وهو رأس المال المسلم، ولا اعتبار باختلاف القيمة بعد ذلك ولا قبله؛ لأن ذلك هو وقت الوجوب، والوجوب متعلق به لا سواه، ولا يظهر في ذلك اختلاف بين العترة " في الجملة، ومن قال من الأئمة ": أن الزكاة تجب في الذهب والفضة وغيرهما من المواشي عند ابتداء دخولها في الملك لا يخالف في وجوب الزكاة عند تمام الحول إذا لم ينقص ذلك عن النصاب.(1/129)
[حكم الهبة بجميع الأموال أو التصدق بها]
وقال السائل: من وهب جميع ماله لولده الصغير ليقلّ بذلك جمعه للأموال [ولتصح] توبته مما قد تلبسّ به من المظالم ونحوها تجويزاً لا يقيناً، ولتبرى بذلك ذمته عن ذلك المجوّز بأن تواطأ هو، وفقير آخر على مساقطة ذلك المجوّز بصرف شيء إليه وردّه ثم كذلك حتى يغلب الظن بالبراءة من جميع ذلك المجوّز، هل له ذلك؟
والجواب والله الموفق: أن ذلك لا يصح إذا كان يؤدّي إلى حاجته إلى الناس؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:29]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، وقد أمر الله بالاقتداء بهم؛ لأنهم من الأنبياء، وآبائهم، وإخوانهم، وذرياتهم وقد قال تعالى فيهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:90]، ولقوله صلى الله عليه وآله:[((كفى بالمرأ إثماً أن يضيع من يعول أو يكون عيالاً على المؤمنين)) رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي)، فقال صلى الله عليه وآله]: ((أو يكون عيالاً على المؤمنين))، ونحو ذلك كخبر بيضة الذهب، وفي (مجموع زيد بن علي) عليهما السلام عن علي عليه السلام: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول، أو يكون عيالاً على الناس))، [فأما إذا كان] ما عند الله أوثق منه بما في يده ولم يحمله ذلك على الحاجة إلى أحد من الناس، فإنه لا بأس به إذا كان فيه قربة لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ(1/130)
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ} أي حب الطعام والحاجة إليه {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8].
والقصة في ذلك مع أهل البيت " مشهورة، وكانت الحاجة منهم " إلى ما تصدقوا به مما عرفها الخاص والعام حسبما جاء في الروايات، ولقوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:39].
ورُوي: ((من أيقن بالخلف جاد بالعطية)) لكن لا تصح توبته مع ذلك مما قد تلبس به من المظالم تجويزاً؛ لأنه خلاف الاحتياط، وقد أوجبه الله تعالى حيث قال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:36]، وبه جاءت السنة وقد تقدم ذكر طرف مما روي في ذلك، فلا تصح المساقطة لذلك ولمثل ما تقدم.(1/131)