الرُّسُلِ}[النساء:165]، بأن يقولوا كما حكى الله سبحانه [في قوله سبحانه]: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ}[المائدة:19]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:134]، والاقتداء بالرسل صلوات الله عليهم في ذلك فرض لازم؛ لقوله تعالى بعد ذكره لعدة من الأنبياء تفصيلاً: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ}[الأنعام:87] إجمالاً: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:90].(1/82)


ووجه الاحتجاج بذلك أن الآية مخرجها خاص، ومعناها عام، كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ...}[الإسراء:23] الآية، فقوله تعالى: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفّ} مخرجه خاص، ومعناه عام بدليل أول الآية وهو قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}، والوجه في ذلك أن الخطاب إذا وجه إلى رئيس القوم فيما لا تقوم قرينة على اختصاصه به يكون عاماً في عرف اللغة، ألا ترى أن الملك يقول لأمير الجيش: قاتل من قاتلك؟ ويريد بذلك الأمير والجيش كلهم لكن وجه الخطاب إليه؛ لكونه رئيسهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله أنه كان إذ أمّر رجلا على سريته قال له: ((إذا لقيك عدّوك من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال...))، الخبر إلى أن قال: ((فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم))، ولأن ما ذكرته هو السابق إلى الفهم، وذلك من أقوى دليل الحقيقة، ونبينا صلى الله عليه وآله رئيس أمته، وذلك معلوم من الدين ضرورة، فوجه [الخطاب] إليه صلى الله عليه وآله في كثير مما أمرنا به فتأمل، ولقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]، وهذا خبر بمعنى الأمر بإجماع العترة "،وجماهير علماء الأمة، ولأنَّا قد أُمِرْنَا باتّباعه في جميع أفعاله وأقواله إلا ما يخصه دليل قال تعالى: {قل إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران:31] الآية، ونحوها، وقد(1/83)


قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور:63]، وقد رخَّص في ذلك شذوذ من الناس، ولو مع ظن التأثير.
واحتجوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة:105]، وأسقطوا بذلك التكليف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد ورخَّصوا في المداهنة [فكان ذلك عضداً وعوناً عظيماً لحزب الشيطان لعنهم الله جميعاً] فضلُّوا وأضلُّوا، ولنا عليهم ما تقدم، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...}[آل عمران:104]الآية.
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله تعالى المنتصر لنفسه، ثم يقول: ما منعكم إذ رأيتموني أعصى ألا تغضبوا لي))! رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) وهو في (الشفاء).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل)) [وقوله صلى الله عليه وآله: ((ما آمن بالله من رأى الله يعصى فيطرف حتى يغيره))].
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو لتكونن أشقياء زراعين)) إلى غير ذلك مما يكثر، ويطول حتى تواتر معنى وأفاد العلم الذي لا يدفع بشك ولا شبهة.(1/84)


وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}[الأنفال:39] [وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}[التوبة:123] وقوله: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...}[الحجرات:9]] الآية، ونحو ذلك في كتاب الله كثير.
والخطاب عام لكل مكلف بعد تكليفه إلى انقطاع التكليف، لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام:19]، ولأن المعلوم من الدين ضرورة وجوب العمل بما في كتاب الله إلى انقطاع التكليف إلا ما علم نسخه كالاعتداد بالحول.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، لا يردُّه جور جائر، ولا عدل عادل)).
فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ...}[المائدة:105] الآية، فقد اختلف في معناها، فقال عبد الله بن الحسين صنو الهادي عليه السلام ما معناه: (إن المسلمين كانوا يدعون الذين ضربت عليهم الجزية من أهل الكتاب إلى الإسلام ويشددون عليهم) فأنزل الله الآية، [ومنهم من قال: هي موقوفة حتى يعمل بها في آخر الزمان]، ومنهم من قال: تأويلها إلى يوم القيامة، ومنهم من قال: قد مضى تأويلها وإنما كانت صدر الإسلام قبل الأمر بالجهاد.(1/85)


واعلم: أنه لا حجة لهم؛ لأنه إن صح واحد من هذه التأويلات بطل احتجاجهم بها، وإن لم يصح منها شيء، فمعنى قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ}، كفوا أنفسكم والزموها اتفاقاً بيننا وبين الخصم، والمكفوف عنه محذوف اتفاقاً كذلك ونحن ندَّعي أنه المعاصي لا بعض الطاعات ولا كلها، وشاهدنا على ذلك جميع ما مر لنا.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90]، ونحو ذلك مما يدل على الطاعات والمحرمات.
وقوله تعالى: {لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة:105]، جواب {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ}، مجزوم بأن مقدرة بعد ذلك، والحركة على الراء في قوله تعالى: {لاَ يَضُرُّكُمْ} لالتقاء الساكنين، وجعلت ضمة للاتباع وذلك شائع في لغة العرب، والمعنى أن ضلال من ضلّ لا يضر المؤمنين إذا اهتدوا، وكفّوا أنفسهم عن المحارم، بخلاف ما لو لم يكن منهم ذلك فإنه يضرهم ضلالهم؛ لأنهم يكونون مشاركين لهم فيه، وأهل قدوتهم حيث قررهم عليه بالسكوت عنهم، وهذا التأويل أولى مما تقدمه؛ لأن النسخ والتخصيص والوقف خلاف الأصل، فلا يثبت واحد منها إلا بدليل.(1/86)

17 / 85
ع
En
A+
A-