[حكم من رد ما علم من الدين ضرورة]
وأما من زعم أنه لا عقاب على عصاة هذه الأمة فالدليل على كفره أنه قد أباح كل المحرمات، ورخَّص في جميع الواجبات، وذلك ردٌّ لما علم من الدين ضرورة، وتكذيب بالحق والصدق من نحو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...}[المائدة:3] الآية، ونحوها وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}[النساء:123]، ونحو ذلك كثير.(1/67)
[حكم من رد نصوص من الكتاب والسنة]
فأما من رد نصوص الكتاب والسنة المعلومة إذا خالفت قواعد مذهبهم.
فالدليل على كفرهم أنهم تقلدوا بشرائع ليست من الله تعالى، وذلك شرك بالله بدليل قوله تعالى: [{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}[الشورى:21] وقوله تعالى:] {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}[الكهف:26]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:121]، وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين،ِمن الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[الروم:31،32]، ومن كان كذلك فهو من الذين فرَّقوا دينهم؛ لأن دين الله لا يصح التفرق فيه؛ لقوله تعالى: {أن أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13]، وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103] وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}[آل عمران:105]، وقد بلغنا [في ذلك] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31] الآية، فقال صلى الله عليه وآله: ((أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم أحلُّوا لهم ما حرم الله، وحرّموا عليهم ما أحلَّ الله))، ومن ذلك اعتقاد كون اللهو واللعب ديناً؛ لأن الله لم يشرعه،ولقوله(1/68)
تعالى: {قَالُوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا على الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} [الأعراف:50،51] الآية، ولقوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ الله وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}[الأنعام:70].
ومن ذلك الفدو، ونسايك رجب، والسلوك في طريق دون أخرى، والمسير في يوم دون آخر، وكسر البيض، ونثر الحب مقلواً، وتفريق شيء من الطعام واللبن والسمن، والذبح للأشجار والأحجار، إذا كان خوفاً من الجن أو الأيام أو النجوم أو غيرها، أو رجاء لها في حصول ولد، أو عافية مريض، أو السلامة في الطريق، أو الظفر بمطلوب ما؛ لأن الله سبحانه لم يشرع شيئاً من ذلك، وعدم كون ذلك مشروعاً معلوم من الدين ضرورة، ولأن اعتقاد أن الجن أو الأيام أو نحوها تضرُّ ردٌّ لقوله تعالى: {لَهُ مُعَقّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد:11]، وقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4].(1/69)
وعن علي عليه السلام ما معناه: (إن الحفظة " لا يزالون يَذِبُّوْنَ عن الإنسان، فإذا نزل القضاء من السماء اعتزلوه وخلّوا بينه وبين القضاء).
واعتقاد أن للجن ونحوها تأثيراً في حصول الولد ردّ لقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}[فاطر:3]، وكذلك اعتقاد أن لها تأثيراً في شفاء المريض ردّ لقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:62]، وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِه فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء:56]، وقوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا}[التوبة:51]، ولا يُرِدُ على هذا الطب؛ لأن الله ينفع بما أودع فيه من حرارة تسخن برودة، أو برودة تطفئ حرارة، أو رطوبة تعدل يبوسة، أو يبوسة تعدّل رطوبة، فهو كإحراق النار الكائن بفعل الله الذي فعله فيها وهي الحرارة، على أنه قد قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}[النحل:69].(1/70)
وروي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ((إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء فتداووا، ولا تداووا بالحرام)) فثبت أن الشفاء بالطب من الله، وأنه من أفعاله سبحانه المتولدة؛ لأن أفعاله سبحانه وتعالى على قسمين: مبتدأ ومتولد، من حيث أن قدرة الله شاملة، وهو فاعل مختار، فلا يستلزم ذلك الحاجة إلى خلق السبب، وإنما يفعله سبحانه لحكمة يعلمها، وليبتلي به الناس ليعلم من يخافه بالغيب، فيقضي بالحق فيه ومن لا يخافه فيثبت طبعاً، أو يقيس عليه الجن فيعبدهم بالتزام تلك الشرائع المبتدعة قال تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]، ومن ذلك اعتقاد أن للمشائخ والقبور تأثيراً في حصول الولد، ونزول المطر، وإماتة الأحياء وإحياء الموتى ونحو ذلك، من قِبَلِ أنفسها؛ لأنه ردٌّ لقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}[فاطر:3]، وقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}[النمل:60] الآية ونحوها، وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً...}[الملك:2] الآية، ولا يَرِدُ القتل؛ لأنه فعل القاتل ضرورة، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ...}[النساء:93] الآية، ونحوها، ومن ذلك الذبح على القبور، والمشاهد والمساجد، واعتقاد كونه قربة؛ لأن الله لم يشرعه، وعدم كونه مشروعاً معلوم من الدين ضرورة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((لا(1/71)