وكيف يقول الحسن بن محمد ذو الغفلات، ومن تبعه من ذوي الجهالات: إن الله سبحانه رزق هؤلاء الظالمين هذا، وقد حكم به في كتابه للفقراء والمساكين، وقال الله سبحانه: ?وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ?[الأنفال:41]، فحكم بذلك لنفسه، ولرسوله، وقرابة نبيه، ومن سمى من اليتامى والمساكين وابن السبيل في تنزيله، فاستأثر به الفاسقون عليهم، ولم ينفذوا ما جعل الله من ذلك لهم، بل دحروهم دحوراً، ونصبوا لهم دونه العداوة سراً وجهراً، وقد جعله الله لأوليائه رزقاً، وحكم لهم به حكماً حقاً، فغلب عليه الفاجرون، وظلموهم فيه ظلماً.
وقال سبحانه: ?مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إن اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?[الحشر:7]. فكان الذي أتى به صلى الله عليه وآله وسلم ما أنزل الله في وحيه من فرائضه، وقسمه فيه في أوليائه من خلقه، فخالف على ذلك الفاجرون، ورفضوا ما جاء به خاتم النبيين من الله رب السماوات والأرض، فجعلوه دولة بين أغنيائهم، وحرموه من جعله الله له من فقرائهم، عماية وصمماً، ومجاهرة لله وظلماً، فأخذوا ما جعل الله لغيرهم، وتعدوا ما حكم الله به فيهم. ولا يشك من كان لبه سالماً، وكان بأمر الله عالماً أنهم على ذلك معذبون، وأنهم على مخالفته فيه مسؤلون.(1/428)


فكيف يقول الحسن بن محمد: إن الله رزق هؤلاء الظالمين المعتدين الفاسقين رزقاً، ثم صيره لهم وسلمه في أيديهم، ثم يعذبهم عليه، ويحاسبهم فيه؟ أم كيف يجتريء ويقول: إن الله رب العالمين والسماوات والأرض، جعله لمن حكم له به من ضعفة المسلمين ثم انتزعه منهم فجعله رزقاً للأغنياء الفاسقين دونهم؟ فكيف يكون ذلك والله سبحانه يقول: ?كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ?؟ أو لم يسمع من ضل وغوى فقال على خالقه بالقول الردي اللهَ سبحانه كيف يقول في الوحي المذكور في كتابه المسطور: ?إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا?[النساء:10]، فعلم أن في خلقه من سيأكل أموال اليتامى عدواناً وظلماً فنهاهم عن ذلك، وحرمه عليهم، وحكم بعذاب السعير لمن استجاز ذلك فيهم. أفيقول المبطلون إن الله سبحانه جعل أموال اليتامى لمن نهاه عن أكلها رزقاً، ثم نهاهم عن أكل ما رزقهم وآتاهم؟ لقد قالوا على الله كذباً، وضلوا ضلالاً بعيداً.(1/429)


ثم قال جل جلاله، وصدق في كل قول مقاله: ?يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ?[النساء:11]، فحكم للأنثى بجزء وحكم للذكر بجزئين، ثم قال: ?فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وإن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ?. فما يقول من ضل وعمي، وحار وشقي إن وصيٌّ تعدى، وفي المخالفة تردى، فحرم بتعديه الوالد، ومنع من ميراث أبيه الولد، وأخذ ذلك فأكل به واكتسى وشرب، وتزوج ولهى، هل يكون ذلك عندهم له من الله رزقاً رزقه إياه؟ وقد يسمعون حكم الله به للورثة دون من أخذه واصطفاه. فقد أبطلوا بذلك حكم الرحمن، ونقضوا ما نزل سبحانه في الفرقان. وإن قالوا: بل أخذ ما ليس له حقاً، وأكل من ذلك ما لم يجعله الله له رزقاً؛ كانوا في ذلك بالحق قائلين، وعن قول الباطل والمنكر راجعين.(1/430)


ثم يقال لهم: ما تقولون فيمن غصب مالاً فأخذه، وتعدى فيه وسرقه، فأكله حراماً وشربه، أتوجبون عليه الزكاة فيه؟ أم توجبون رده إلى صاحبه عليه؟ فقد يجب عليكم في قياسكم وقولكم أن تقولوا: إنه رزق له، رزقه الله إياه وقدره له، ولولا ذلك لم يأخذه ولم يقدر على أكله وشربه، ولا على الانتفاع به. فإن كان كما تقولون وإليه تذهبون أن كل ما غصب غاصب أو أخذه من المال آخذ غصباً، فهو من الله له بتقدير وعطاء ورزق، فلن يجب عليه أبداً رده، ولا أن ينازعه فيه ضده، بل هو أحق به من كل مستحق، وهو له ملك بتمليك الله له إياه وحق، فأمروه فليؤد ما أوجب الله على أهل الأموال في الأموال من الزكاة والحج والإنفاق في سبيل الله والإفاضة على كل من سأله ورجاه. ألا تسمعون كيف يقول الله ذو الجلال وذو القوة والقدرة والمحال، حين يقول: ?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ?[آل عمران:97] - والسبيل فهو الجدة مع صحة الأبدان من مانعات حوادث الأزمان - فعند المقدرة والسلامة والأمان يجب فرض الحج على كل إنسان، وهذا في أصل قولكم، وما تذكرونه من رأيكم بما قد حوى وأخذ من المال الحرام مستطيع لحج بيت الله الحرام، قادر على ذلك بما أخذ من أخيه وأخرجه بالغصب والغلبة له من يديه، إذ تزعمون أن كل ما أخذ وأكل وشرب ولبس فهو رزق مقسوم، ومن الله جل جلاله عطاء لعباده معلوم. وقال الله سبحانه: ?وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ?[البقرة:43]، فلا يشك أن الزكاة تجب فيما رزق الله العبيد من رزق إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة وتقع، فليتصدق وليقرض الله قرضاً حسناً مما في يديه، فإن الله يقول: ?إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ?[الحديد:18] - ولن يقبل الله إلا الحلال، ولن يضاعف(1/431)


إلا لمن أنفق مما ملك من الأموال - فإن كان هذا له من الله عطاء فأمُروه فلينفذ ما أمره الله به، وليؤد ما عليه فيه، وانهروا عنه المطالب له به، الذي أخذه غصباً من يديه، واستأثر به عليه.
وإن قلتم: لا يجب عليه فيما في يديه من هذا المال المغصوب حق، ولا يلزمه فرض؛ وأوجبتم على أنفسكم أخذه من يديه ورده على صاحبه؛ وقلتم: لا يكون إلا ذلك، والحق كذلك؛ فقد أزلتم عنه ملك ما غصب، وحرمتم عليه منه ما أكل، وأقررتم أن ما أخذ من ذلك فأكله وشربه ليس له من الله رزقاً، ولا نائلاً، ولا عطاء، وأن عليكم أن تأخذوا ما في يديه من المال فتردوه إلى من كان له من الرجال، وتضمنوه ما أتلف منه، وتوجبوا عليه إن كان أخذه من دار أو بيت أو حرز أو قرار ما أوجب عليه الواحد الجبار من القطع، فإنه يقول سبحانه: ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا?[المائدة:38]. فيا سبحان الله! ما أبين الحق وأنور الصدق! فلو كان الله رزقه ما أكل مما سرق وغصب لما أوجب عليه أن يقطع الحاكم يده في أن أخذ ما أعطاه ربه وآتاه، وأكل ما به غذاه. فسبحان البعيد من ذلك، الصادق في قوله، العدل في جميع أموره وفعله.
فإن هم من بعد ذلك سألونا فقالوا: هل يقدر أحد أن يأكل غير ما رزقه الله؟. قيل لهم: إن مسألتكم هذه تخرج على معنيين، وتنصرف في وجهين:(1/432)

86 / 172
ع
En
A+
A-