ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: ?وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً?[النساء: 82]، أفتقولون إن ما كان من قول الجاهلية من قولهم: (إن القرآن الذي جاء به صلى الله عليه وآله وسلم ليس من الله بل هو من عند نفسه، وأنه يكهنه ويكذبه على الله) هو كما قالوا، وإن الله قضى بذلك القول عليهم في نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنطقهم به عليه، وإنهم لم يقولوا ذلك إلا بقضاء الله عليهم به؟ فإن قالوا: نعم نقول بذلك ونزعمه؛ ردوا الكذب على الله بإكذاب نبيئه، وزعموا أن الله أكذب نبيئه لا قريش، وفي ذلك الكفر بالله والشرك به. وإن قالوا: بل هو من عندهم لا من عند الله رجعوا إلى الحق، وقالوا له ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالصدق، وصاروا من أهل القرآن.(1/313)


ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الرحمن، فيما نزل من النور والفرقان: ?وإن مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ?[آل عمران: 78]، أتقولون إن ليَّهم بالكتاب، وتمويههم على المؤمنين بذلك وفيه من أنفسهم؟ فإن قالوا: من الله قضاءً قضى به عليهم. قيل لهم: فإنا نجد الله يقول خلاف قولكم، ويبطل ما لفظتم به؛ لأنه يقول: ?وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ?[آل عمران: 78]، فذكر أنهم يكذبون عليه فيما قالوا إنه منزل هذا الباطل وجاعله، فشهد عليهم سبحانه بالكذب عليه في ذلك، وأنتم تشهدون لهم بالصدق في قولهم؛ لأنكم تزعمون أن كل فعل منهم فمن الله لا منهم، وبقضائه لا بفعلهم، وفي ذلك والقول به ما به الكفر بالله والشرك. وإن قالوا: هو كما قال الله من عندهم، وهو كذب منهم، والله منه بريء؛ رجعوا إلى الحق، وقالوا في الله بالعدل.(1/314)


ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: ?لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا?[الأحزاب: 69]، أفتقولون إن موسى عليه السلام كان بريئاً مما قالوا به فيه، وكذبوا عليه سبحانه بأنه شهد لموسى بالبرآة، وقالوا هم ليس ببرئ، ومن شهد بالبرآة لغير برئ فهو فاسق غوي، والله عن شهادة الزور فمتعال علي. فإن قالوا: إن موسى عليه السلام بريء من ذلك، وإن الله صادق فيما شهد له به؛ آمنوا ورجعوا إلى الحق، وقالوا في الله بالصدق والعدل. وإن قالوا بل الله الذي قضى عليهم بأذية موسى عليه السلام؛ فقد زعموا أن الله المتولي أذية نبيه صلى الله عليه، وقضى عليهم بالقذف له، وفي هذا إبطال ما قال الله وشهد به عليهم، وبرأ نفسه ونبيه من هذا الفعل العظيم.
ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه فيما يحكي عن نبيه نوح صلى الله عليه إذ يقول: ?أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ?[يونس: 41]، أفتقولون: إن نبي الله صادق في قوله: (أعمل)، و(تعملون) فتوجبون له العمل. أم تقولون إنه ليس له في ذلك اختيار ولا عمل ولا لهم، وإن ذلك كله من الله دونهم، فإن قالوا: بل نقول عمله وعملهم، وإنه صادق في ذلك؛ فقد برأوا الله من أفعال العباد، ورجعوا إلى الحق. وإن قالوا: بل هو فعل الله لا فعله ولا فعلهم؛ فقد كفروا وكذبوا قول رسول الله صلى الله عليه.(1/315)


ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: ?وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ?[التوبة: 3]، فما قولكم فيما تبرأ الله منه من المشركين؟ أهو خلق أبدانهم، وما فطر من صورهم، أم هو أفعالهم وما يأتون به من كفرهم وعصيانهم؟ فإن قالوا: إنه تبرأ من أن يكون خلقهم وجعلهم، وأوجدهم وفطرهم؛ كفروا بالله وأشركوا في الخلق معه غيره تعالى الله الكريم. وإن قالوا تبرأ من أفعالهم وعصيانهم؛ فقد أقروا أنه بريء من أفعال العاصين، متعال عن القضاء بفساد المفسدين، وتركوا قولهم بالإجبار، وصاروا من القائلين على الله بالعدل والإحسان.
ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ?فإن عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ?[الشعراء: 216]، أتقولون: إن الله عز وجل أمر نبيه أن يتبرأ مما يتبرأ الله منه، أم يقولون: إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ منه؟ فإن قالوا: بل أمره أن يتبرأ مما تبرأ منه؛ فقد صدقوا، وإلى الحق رجعوا، وقالوا: إن الله لم يقض بما برئ منه، ولم يُدخِل فيما نهى عنه. وإن قالوا: إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ هو منه؛ فقد زعموا أن الله أمر نبيه بمخالفته، وبأن يتبرأ هو منه، ويتبرأ مما تولى هو جل جلاله، وهذا فأكفر الكفر بالله، وأبين الشرك به تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(1/316)


ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه فيما يحكي عن أهل النار: ?رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ?[الأعراف: 38]، أتقولون: إن الله سبحانه الذي أضلهم، وإن أهل النار ظلموا هؤلاء الذين ادعوا عليهم، وإن الله حكى باطلاً من قولهم، وإنه مضل لهؤلاء المعذبين دون من ذكروا، أم تقولون كما قال الله سبحانه وحكى، إن الكافرين بعضهم أضل بعضاً؟ فإن قالوا: بل الله أضلهم لا هؤلاء؛ كفروا، وردوا ما حكى الله من الحق. وإن قالوا: بل هؤلاء أضلوهم دون الله، فإن الله لم يضل عباده عن طاعته؛ صدقوا وآمنوا، ورجعوا إلى الحق.
ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: ?فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ?[المائدة: 30]، فيقال لهم: خبرونا آلله سبحانه طوَّع له ذلك وقضاه عليه، أم نفسه كما قال الله؟ فإن قالوا: بل نفسه طوعت له ذلك، ولم يقضه الله عليه، ولم يدخله فيه؛ فقد أصابوا وتركوا قولهم، وما كانوا عليه من كفرهم. وإن قالوا بل الله طوَّع له ذلك بقضائه عليه وإشقائه له به؛ فقد خالفوا الله وكذبوه في قوله. والمجبرة تقول: إن الله طوع له ذلك، وقضى به عليه وأدخله فيه، ولولا أنه قضى بذلك عليه لم يفعله. والله يتبرأ عن ذلك ويخبر أن نفسه طوعت ذلك له، وأنه بريء من ذلك سبحانه.(1/317)

63 / 172
ع
En
A+
A-