ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: ?أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ?[الأعراف: 71]، وعن قوله: ?إِنْ هِيَ إلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم?[النجم: 23]، أيزعمون أنهم سموها وأبآؤهم كما قال الله، أم تزعمون أن الله سماها دونهم؟ فإن قالوا: إنهم سموها دون الله؛ فقد أصابوا وصدقوا قول الله، وخرجوا من الباطل إلى الحق. وإن قالوا: إن الله الذي سماها دونهم؛ خالفوا قول الله وردوا عليه قوله؛ لأنه يقول سبحانه: ?سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم?[النجم:23]، وهم يقولون سماها دونهم، وهذا فأكفر الكفر وأجل الشرك.
ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه: ?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا?[الشمس: 10]، نبئونا عن المزكي والمدسي من هو واحد هو أو اثنان؟ فإن قالوا: الله زكاها ودسّاها. قيل لهم: إن الله قد ذم من دسّاها، أتقولون إنه ذم نفسه، أم ذم غيره؟ فإن قالوا: ذم غيره؛ خرجوا بذلك من قولهم إن الله جبر العباد على أفعالهم، وقضى بها عليهم، إذ أثبتوا أن العبد مذموم على فعله لا على قضاء ربه. وإن قالوا: بل ذم نفسه، إذ هو القاضي على المدسي بالتدسية، فهو الفاعل بالعبد، الحامل له على التدسية، لا أن العبد حمل نفسه؛ كفروا بقولهم، ونسبوا إلى الله الذم لنفسه على فعله لعباده.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه: ?مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ?[النساء: 79]، فيقال لهم: قد نجد الله سبحانه أخبرنا أن السيئات أفعال العباد لا من فعله أفتقولون إنه كما قال الله سبحانه أم لا؟ فإن قالوا: بل هو كما قال الله؛ خرجوا من الجبر، وتركوا قولهم بالباطل. وإن قالوا: هو على غير قول الله؛ كفروا بالله.(1/308)


ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله عز وجل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: ?مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ?[المائدة: 103]، أفتقولون فيما فعلوه إن الله جعل ذلك، وقضى به وبفعله على من فعله من مشركي قريش، فقد صح لنا أن أول من فعل ذلك قصي بن كلاب؟ فإن قالوا: إن الله جعله وقضى به وأدخله فيه؛ فقد صدقوا قول قريش إن الله قضى بذلك وفعله بهم، وأكذبوا قول الله؛ لأن الله قد نفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنه لم يقض به، وأكذبهم فيما قالوا به عليه من ذلك وفيه حين يقول: ?مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ?[المائدة: 103]، والقدرية تقول: هو جعل الله وقضاؤه، ولولا أن الله قضى به ما فعلته قريش ولا أطاقته. أقول: الله أصدق عند من عرف الله، أم قول قريش القدرية؟ بل قول الله أصدق وقول من سواه باطل.
ومما يُسألون عنه مما لا يستطيعون رده من كتاب الله قول الله سبحانه: ?إن الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ?[آل عمران: 155]، فيقال لمن زعم أنه لا يقدر عبد على فعل إلا بعد قضاء الله به عليه، وإدخاله إياه فيه بالقضاء اللازم، أما يجد الله سبحانه يخبر أن توليهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من استزلال الشيطان، وأنه منهم ومنه، وأنتم تزعمون أنه من الله، وأنه قضى به عليهم وبالتولي، ما تقولون أقول الله أصدق أم قولكم؟ فإن زعموا أن قول الله أصدق؛ رجعوا عن قولهم وصاروا إلى العدل. وإن قالوا: إن قولهم أصدق؛ فقد كفروا بالله، وكذبوا على الله؛ لأن ربنا قد ذكر أن ذلك من عدو الله الشيطان، والقدرية تزعم أنه من الرحمن، وأن الشيطان منه بريء.(1/309)


ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه: ?وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم?[البقرة: 109]، أفتقولون إن هذا الحسد من عند الله قضى به على الكفار أن يحسدوا المؤمنين على الإسلام، أم حسداً من عند أنفسهم يعاقبون عليه؟ فإن قالوا: هو من عند الله قضى به عليهم؛ برؤا الكفار من المذموم، وجعلوه لله دونهم، وقد قال الله خلاف ذلك، فقد كذبوا الله في قوله وكفروا به. وإنقالوا: هو من عند أنفسهم ومنهم لا من الله كما قال الله؛ خرجوا من الباطل إلى الحق، ورجعوا إلى العدل.
ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ?[محمد: 25]، أفتقولون إن الشيطان برئ من ذلك، وأنه لم يسول لهم منه شيئاً؟
فإن قالوا: نعم؛ فقد كذبوا الله، وخرجوا بذلك من الدين. وإن قالوا: بل هو كما قال سبحانه من الشيطان لا من الرحمن؛ فقد صدقوا ورجعوا إلى الحق، وقالوا بالعدل، وأقروا بأن الارتداد من المرتدين، بتسويل الشيطان لهم، لا بقضاء الله بذلك عليهم؛ لأن الله لا يقضي بالارتداد، ولا غير ما أمر به من اتباع دينه، والائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه.(1/310)


ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: ?أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ?[آل عمران: 165]، أتزعمون أنه من عند أنفسهم كما قال الله، أم هو قضاء من عند الله قضاه عليهم؟ فإن قالوا: إن ذلك من أنفسهم؛ قالوا بالحق، وتعلقوا بالصدق. وإن قالوا: هو من عند الله وهو قضاؤه؛ قيل لهم: أفقولكم أصدق، أم قول الله سبحانه؟ فإن قالوا: قول الله صدقوا وأسلموا؛ وإن قالوا: قولنا؛ كفروا؛ لأن المصيبة لم تكن إلا بمخالفتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أمرهم أن لا يبرحوا من باب الشعب، فخالفوا ورجعوا، فوجد الكافرون السبيل إلى دخول الشعب، فدخلوا فأصابوا ما أصابوا ووقعت المصيبة. فكانت منهم بمخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوالهم من مواقفهم التي أوقفهم لانتظار أمره.
ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه فيما حكى عن نبيئه يوسف صلى الله عليه من قوله: ?مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي?[يوسف: 100]، أتقولون إن الشيطان نزغ بينهم كما قال الله؟ أم تقولون إن الله الذي نزغ بينهم وأدخلهم فيما فعلوا بنبيه صلى الله عليه وقضى به عليهم فلم يجدوا منه بداً؟ فإن قالوا: إن الشيطان الذي نزغ كما قال الله سبحانه وذكر يوسف؛ صدقوا، ورجعوا إلى الحق من بعد الباطل، وخرجوا من الجبر إلى العدل. وإن قالوا: بل الله الذي نزغ بينهم بقضائه بذلك عليهم؛ كذبوا قول يوسف في الشيطان، وردوا الذنب على الرحمن، وقالوا على الله بخلاف قوله في نفسه وقول نبيئه فيه. فهل يقول بإكذاب الله سبحانه وإكذاب نبيه يوسف، وتصديق المجبرة من دون الله مؤمن يؤمن بالله أو يعرفه؟!(1/311)


ومما يُسألون عنه من كتاب الله سبحانه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: ?إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إلا بِإِذْنِ اللَّهِ?[المجادلة: 10] - يريد: إلاّ بتخلية الله، والتخلية هاهنا فهي ما جعل الله في الشيطان من الاستطاعة التي أمره أن يطيعه بها ويرضيه، فنهاه عن الوسوسة للعباد، والمقاربة لهم - أفيقولون: إن النجوى من الشيطان كما قال الرحمن؟ أم يقولون إنها من الرحمن، ويبرؤن فيها عدو الله الشيطان؟
فإن قالوا: بل نقول إنها من الشيطان - كما قال الله وقوله الحق - لا من الله؛ صدقوا وخرجوا بذلك من الجبر، والظلم لله والكفر به والعدوان. وإن قالوا: بل نقول إن كل ماجاء من نجوى للكافرين وتناجيهم بالإثم والعدوان، والتراضي بالعدوان، والمحاربة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاء من الله قضى به عليهم في نبيه، وأدخلهم فيه، وأنه من الله لا من الشيطان، كفروا بالله وأكذبوا قوله، وخرجوا بذلك من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ورجعوا وتعلقوا بدين الجاهلية الأولى، وقولهم الذي أنكره الله عليهم وأكذبهم فيه.(1/312)

62 / 172
ع
En
A+
A-