صدق الوعد والوعيد
وندين بأن الله صادق في أخباره كلها، وأنه لا يخلف الميعاد، ولا يبدل القول لديه.
وأن أهل الكبائر من أهل ملتنا إن لم يتوبوا من ذنوبهم، وخرجوا من الدنيا مصرين عليها، غير نادمين ولا مستغفرين، أنهم من أهل النار، خالدون مخلدون، لا يخرجون منها، ولا يغيبون عنها، بل يبقون فيها أبداً سرمداً، لقوله: ?وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ?[النساء: 14]، ولقوله: ?إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وإن الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ?[الانفطار: 14]، ولقوله: ?إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?[النور: 23]، والملعون في الآخرة لا يدخل الجنة؛ لأن الآخرة دار جزاء، لا دار عمل وبلوى. ولقوله: ?وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا?[النساء: 30]، وبمثل آية الفار من الزحف، وبمثل آية القاتل، وبمثل آية آكل أموال اليتامى ظلماً، فبهذه الآيات علمنا أن الله يعذب أهل الكبائر بالنار ثم يخلدهم فيها أبد الأبد.(1/263)


الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وندين بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن نصر المظلوم والأخذ على يد الظالم فرض لازم، وحق واجب، لأن في ترك الأمر بالمعروف للحق إماتةٌ، وفي ترك النهي عن المنكر للباطل حياةٌ، ولذلك أوجبه الله على عباده، وفرضه عليهم فرضاً، بكل ما أمكنهم ولذلك قال رب العالمين: ?وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?[المائدة: 2]، وقال: ?قَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ?[الحجرات: 9]، وقال: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ?[التوبة:71] مع آيات كثيرة تدل على ما قلنا، وتصحح ما شرحنا.(1/264)


إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام
وندين بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه خير هذه الأمة بعد نبيها عليه السلام؛ لطاعته لربه، وبذله لمهجته واستغراقه لقوته في طاعة الله وطاعة رسوله عليه السلام، وقرب قرابته من رسول الرحمن، وعلمه بما أنزل الله من القرآن، وزهده في هذه الدنيا، ولأقوال رسول صلى الله عليه وآله المشهورة المعلومة فيه يوم غدير خم: (( من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره.))، ولقوله: (( علي مني بمنزلة هرون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي.)) ، (( وأنت قاضي ديني ومنجز وعدي. ))، مع ما قد خصه الرسول عليه السلام من علم ما يكون من أمته من الأحداث والفتن، وما كان علي ينادي به من قصة المرادي الذي قتله، وغير ذلك من الفرقة القاسطة والناكثة والمارقة، مع إجماع أمتنا على أن خلال الخير كلها كانت مجتمعة فيه،مفترقة في غيره، وذلك أنهم أجمعوا أنه كان أحد السابقين، وأحد العلماء، وأحد الزهاد، وأحد الباذلين لأنفسهم، ولم يجمعوا على أن هذه الخصال اجتمعت في غيره، فتبين فضله عليهم.
ثم كان ابن عم محمد عليه السلام، وأبا السبطين الحسن والحسين، وزوج فاطمة صلى الله عليهم أجمعين، وقد أجمعوا جميعاً أن علياً صلى الله عليه كان يصلح للخلافة موضعاً لها يوم قبض الله نبيه عليه السلام، واختلفوا في غيره فالحق ما أجمعوا عليه، والباطل ما اختلفوا فيه.(1/265)


الخلاف بين الأمة فيمن تكون فيهم الإمامة
وجميع أهل الصلاة عندنا خمسة أصناف: الشيعة، والمعتزلة، والخوارج، والمرجية، والعامة.
فقالت المعتزلة، والخوارج: الإمامة جائزة في الناس كلهم، ما صلحوا بأنفسهم، وكانوا عالمين بكتاب الله ربهم، وسنة نبيهم عليه السلام.
وقالت المرجئة، والعامة: الإمامة جائزة في قريش، محظورة على غيرهم.
وقالت الشيعة: الإمامة جائزة في آل محمد، محظورة على غيرهم.
فإذاً ذلك إجماع من الفرق كلها في آل محمد، وذلك أن من أجازها في قريش فقد أجازها في آل محمد؛ إذ كانوا خير قريش وأوسطهم داراً. فأما المعتزلة والخوارج فشهادتهم ساقطة إذ ادعوها لأنفسهم، وفي السنة أن لا تجاز شهادة الجار إلى نفسه. فجميع هذه الفرق قد أقرت للشيعة بجواز هذا الأمر في آل محمد، وأنكرت الشيعة أن تكون جائزة في غيرهم، فالحق ما أجمعوا عليه، والباطل ما اختلفوا فيه.
وأجمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.))، وقال هما (( إمامان قاما أو قعدا.)). وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي؛ إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.)) فكما لا يجوز ترك التمسك بالكتاب، كذلك لا يجوز ترك التمسك بالعترة؛ لأن الكتاب يدل على العترة، والعترة تدل على الكتاب، ولا يقوم واحد منهما إلا بصاحبه. وقال عليه السلام: (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.))، مع ما جاء فيهم، وفي أبيهم، من تواتر الأخبار، وتظاهرها، عليهم صلوات الله ورحمته وبركاته.(1/266)


فهذه الأصول هي التي ندين الله بها، فمن دان بها فهو أخونا وولينا. ندعوا إليها من أجابنا، ونجيب من دعانا، هذا ديننا ونحلتنا، والطيبون من آل محمد قادتنا، فمن وافقنا فهو ولينا، ومن فارقنا عليه حاججناه بالمحكم من كتاب الله، ورددناه إلى المجمع عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن قبل ذلك كان له ما لنا، وعليه ما علينا. نتولى كل مهتد مضى قبلنا، وسيرتنا في ولينا وعدونا سيرة نبينا. الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، والإسلام ديننا، والموت غايتنا، والحشر يجمعنا، والموقف موعدنا، وحكم الله يفصل بيننا، فمن أقر بما أقررنا به وجبت ولايته ومؤاخاته، ومن أبى إلا المخالفة للحق، والمعاندة للصدق، كان الله حسيبه وولي أمره، والحاكم بيننا وبينه، وهو خير الحاكمين.
تمت الأصول والحمدلله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم.(1/267)

53 / 172
ع
En
A+
A-