كتاب أصول الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
سألت يا بني، فهمك الله ونفعك، عما ندين الله به، ولا يسع أحداً من المكلفين جهلُه، من معرفة الأصول من توحيد الله وعدله، وإثبات وعده ووعيده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإثبات الإمامة في المصطفين من آل نبي الله عليه السلام:(1/258)


التوحيد
فإنا ندين بأن الله واحد أحد، ليس كمثله شيء، ولا له ند من الأشياء ولا ضد؛ لأن الند لما يناده مكاف، والضد لما يضاده مناف، وليس من الأشياء ما يكافيه، ولا يضاده فينافيه. وأنه ليس بجسم محدود، ولا شبح مماثل، وأنه بكل مكان على غير اجتنان، ولا كينونه، وكذلك قال تبارك وتعالى: ?وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ?[الحديد: 4]، وقال: ?مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا?[المجادلة: 7]، وقال عز وجل: ?وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ?[ق: 16]، وقال: ?وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ?[الزخرف: 84]، مع آيات كثيرة تدل على أنه لا يحتاج إلى المكان، وأنه بكل مكان مدبر، وأنه كان قبل كل مكان وحين وأوان، وأنه كان ولا سماء ولا أرض، ولا عرش ولا كرسي، ولا كلام ولا صوت، ولا حروف. وأنه كان قبل التوراة والإنجيل والقرآن، وأن القرآن أنزله على نبيه عليه السلام، وأنشأه، وخلقه، ووصله، وفصله، وألفه، وأحدثه، وأنه يقدر أن يذهب به، ويجيء بغيره، وأنه محفوظ، وأن الله حافظه، وأنه يقدر أن يجي بمثله، كما قال سبحانه: ?مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا?[البقرة: 106].(1/259)


وأن الله لامثل له ولا نظير، وأن الأبصار لا تدركه في الدنيا ولا في الآخرة؛ وذلك أن كلما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف ذليل، محتاج، محوي، محاط به، له كل وبعض، ولون وطعم، ورايحة ومحسة، وفوق وتحت، ويمين وشمال، وخلف وأمام. وأن الله لا يوصف بشي من صفات المخلوقين؛ لأنه غني قديم، وهكذا قال: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11]؛ لأن الله تبارك وتعالى ليس بشخص، فتجاهره الأبصار؛ ولا هو صوت فتوعية الأسماع؛ ولا رائحة، فتشمه المشام؛ ولاحار ولابارد، فتذوقه اللهوات؛ ولا لين ولا خشن فتلمسه الأيدي؛ لأن الله سبحانه خلق الأيدي وما لمست، وخلق الأبصار وما جاهرت، والأسماع وما وعت، والمشام وما شمت، واللهوات وما ذاقت، فهذه الخمس الحواس المدركات كلها مخلوقات مجعولات محدثات، ليس فيها شي يشبه الله، ولا الله عز وجل يشبه شيئاً منها؛ ولذلك قال تبارك وتعالى: ?لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ?[الأنعام: 103]؛ لأن ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(1/260)


العدل والحكمة
وندين بأن الله عز وجل عدل في قضائه، جواد في عطائة، رحيم بعباده، ناظر لخلقه، لايكلفهم ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، ?إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا?[النساء: 40]، وأنه لم يخلق الظلم ولا الجور، ولا الكفر في العباد، ولم يرد الظلم والفساد، ولا الجهر بالسوء من القول. وأنه لا يشاء قتل أوليائه، ولا تكذيب رسله. ولا يقضي ولا يقدر شتم نفسه، ولا الفرية عليه. وأن من فعل ذلك، أو أراد معه الصاحبة والولد فغير حكيم ولا عليم.(1/261)


وأن الله رحمن رحيم حكيم عليم لا يجوز عليه العبث، فكيف يمنع عباده من الإيمان ثم يقول في كتابه: ?وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ?[الإسراء 64]، ?وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ?[النساء: 39] ?فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ?[الانشقاق: 20]؟! أو يأمرهم بالهدى ويصرفهم عنه، ثم يقول ?أَنَّى تُصْرَفُونَ?، ويخلق فيهم الكفر ثم يقول: ?لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا?[مريم: 90]!! بل نقول سهّل ربنا لعباده السبيل، وأقام لهم الدليل، وأرسل إليهم الرسول، وأنزل عليهم القرآن، وجعل فيه الشفاء والبرهان، أحل فيه الحلال، وحرم فيه الحرام، وأقام الحدود والأحكام، ثم مكنهم مما طوقهم، ثم دعاهم جميعاً إلى الإيمان به، ثم أمرهم ونهاهم، ثم آمنهم من ظلمه، ورغبهم في جزيل ثوابه، ولم يرد منهم غير ما به أمرهم، ولم يزجرهم وينههم عما يريده منهم ويشاءه، لما في ذلك من خلاف الحكمة والرحمة، كما قال سبحانه: ?وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا?[الأعراف: 180]، ويقول: ?إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ?[التوبة:117]، وقال: ?أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إلا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى?[النجم: 39]، ?وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ?.(1/262)

52 / 172
ع
En
A+
A-