وأنَّ قد حرم الله على المسلمين أنْ يزكوا أنفسهم، وأنَّ قد أوجب عليهم أن ينسبوا جميع المسلمين إلى الإيمان والإسلام، وأنهم قد كانوا يثبتون لهم اسم الإيمان ثم لا يعلمون سرائرهم، وأنهم قد كانوا يتولى بعضهم بعضاً على أنهم سمعوا منهم بعض ذلك وإن لم يروا منهم عملاً، وكذلك يفعلون فيمن يرونه يعمل وإن لم يسمعوا منهم قولاً، فإن الاسم الذي قد ثبت عندهم على الظاهر وإن لم يعلموا الباطن، وأنه لا يحصي أحد منهم جميع ما فرض الله، فإن الله لم يكلفهم إحصاءه ولا إحصاء أهله.
وأن دينهم أنهم يرجون ثواب الله، ويخافون عقابه.
وأنه لا خوف على أولياء الله في الآخرة ولا هم يحزنون، وأن أولياء الله المؤمنون.
وأن الله قد استحق ولاية وليه، وعداوة عدوه على جميع العالمين الذين قد قامت عليهم بذلك حجة الدين، وأن من لم تنفع ولايته وتضر عداوته معيب عندهم منقوص، وأن الله أحق أن تنفع ولايته وتضر عداوته من جميع الخلق.
وأن الأنبياء لم تزل مستحقة لثواب الله منذ بعثها الله، وأنها لم تكفر قط، ولم تفسق، ولم تُقِم على شيء من الذنوب بعلم ولا بعمد، وربما أذنبت على الظن وطريق النسيان، وأن ذنوبها صغائر مغفورة، وأنها لا تأتي الكبائر، وأن من قذف الأنبياء بالكفر والكبائر فهو أولى بالكفر.
وأن المؤمنين مقرون جميعاً على أنفسهم بالذنوب، وأنهم ينتفون من الكفر والفسق، ويكرهون أن ينسبوا إليه.(1/253)


وأن الله قد ميز بين صغائر الذنوب وكبائرها، فلم يجعل السبة والكذبة والنظرة كالقتل والزنى والربا والسرقة وأشباههن، ولم يجعل القتل وأشباهه كالكفر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والكتاب وأشباه ذلك. وأنه قد خالف بين أحكامهن وأسمائهن وأسماء أهلن. وأنهم لا يشهدون على ذنب بعينه أنه صغير مغفور، إلا أن يكون الله قد سمى من ذلك شيئاً في الكتاب بعينه، أو سماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما خلا ذنوب الأنبياء عليهم السلام. وأنهم لا يزالون يفسقون أهل الكبائر من أصحاب الحدود، ويبغضونهم، ويشتمونهم، ويحبون أهل الخير وإن أذنبوا على الظن والنسيان، مالم يخرجوا إلى الكبائر. وأنه لا ينبغي لأحد أن يشهد على ذنب بعينه أنه صغير مغفور. وأنهم لم يزالوا يعظمون القتل والزنى والسرقة ونحوهن ممن فعله. وأن معنى الكثير والقليل والعظيم واحد. وأن الجنة دار للمتقين، وأن النار دار للفاسقين. وأنهم لا يزالون يبغضون من اطلعوا على فسقه، وإن كان يستغفر حتى يظهر التوبة النصوح. وأنهم يستحبون أن يكتم كل امرء على نفسه وإن أصاب حداً، وأن التوبة عندهم مقبولة ممن حد وممن لم يحد. وأن من سمى أهل الحدود كافرين ثم حكم عليهم بحكم الكفار عابوه، ومن سماهم مؤمنين وحكم لهم بحكم المؤمنين عابوه وعنفوه. وأن اسم الملة اسم يجمع جميع المنطوين إلى الإسلام وإن كان فيهم فجور. وأن الله قد بين حكمه في جميع الكافرين من مشركي العرب من أهل اللات والعزى، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والمتنقلين من جميع أصناف أهل الكفر من دين إلى دين، والمرتدين عن الإسلام بعد إظهار الدين، وبين حكمه في المؤمنين والفاسقين والمنافقين والمستسرين. وأنه لم يكن يقاتل أحداً من المشركين حتى يدعوه، وأنه قد أبان ذلك كله وفصله، وأنه لا يوجد في زمن النبي عليه السلام كافر ليس بمشرك. وأنهم لا يعتمدون أحداً ممن أقر بالنبي عليه السلام وعلى آله بكفر إلى يوم(1/254)


القيامة أويلحق بالمرتدين. وأن النفاق استسرار بالطعن في دين الله ودين الرسول، وأن الله قد أقام حجته فيما فرض من دينه بتحريم الشك فيه والإنكار له جميعاً.
وأن التقية جائزة فيما حمل الناس عليه وهم له كارهون، يخافون القتل والمثلة، وذلك فيما لا يرجع ضرره على أحد من العالمين. وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان يعذر نفسه وغيره فيما لم يأت جبريل من الدين مما لم يُعرف إلا بالسمع مما لم يأته جبريل عليه السلام حتى يأتيه به، وأنه لم يكن يترك أهل دعوته يظهرون قبيحاً، وأنه لم يكن يكتم شيئاً من الدين الذي أمره الله بإظهاره، ولا يعطى فيه تقيه، وأنه لم يزل له مظهراً يأمر أتباعه بإظهاره والدعاء إليه.
وأن الشيطان يحب دفن الدين ويدعو إلى إماتته. وأنه لا يجوز تغيير شيء مما أثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، وأن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية الأبد.
وأن الملائكة والجن والإنس أجناس شتى، وأن الملائكة أفضل برية الله، وأنهم مقربون في كل خير، مقربون في كل منزله، مفضلون في كل ذكر.
وأنه جعل من دينه مؤقتاً محدوداً، صلاة وصياماً ونحوهما، وجعل منه متمهلاً فيه لا يدرك حده: بر الوالدين، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من الأمور التي تعرف عند المشاهدة.
وأن الله لا يلبس حكمه، ولا يخلف قوله. وأن من دينهم التثبت فيما غاب عنهم حتى يجيئهم اليقين من تواتر الأخبار وتظاهرها.
وأن الله لا يظلم عباده شيئاً، ولا يعذب إلا بعد إنذار، ولا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يحملها إلا طاقتها، ولا يفرض طاعته إلا على أهل الصحة والسلامة والعقل والقوة، وأنه دعا جميع عباده المكلفين إلى دينه، وأنه يحب طاعته، ويبغض معصيته.(1/255)


وأنه جعل بعض الأعمال أفضل من بعض، وبعض الأقاويل أفضل من بعض، وبعض العلم أفضل من بعض. وأن من العلم غامضاً خفياً، ومنه واضحاً جلياً، وأن جهل بعض ذلك واسع، وجهل بعضه ضيق.
وأنه لا يُنزل أحد من الناس كلهم منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تصديق له ولا في تكذيب، ولا شك في قوله. وأنهم يعملون بالأخبار المجتمع عليها، ويشكون في القول الشاذ، وإن روي عن النبي عليه السلام.
وأن الله افترض اتخاذ الإمام العادل إماماً ليؤتم به، وسمي خليفة ليخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعماله. وأنه من خالف حكمه حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارقه فليس بإمام، ولا خليفة، ولكنه متبر ظالم.
وأن الأخذ بجميع ما أجمعوا عليه صواب بر وهدى، وأن الترك لما أجمعوا عليه ضلال وخطأ.
فهذه صفات جملة الدين وكثير من تفسيرها في التوحيد وغيره، ونرجوا أن تكون هذه الجملة تدل على الصواب كله، وتنفي الخطأ كله، وأن نكون قد ذكرنا فيها أموراً قد أقام الله بها حجته على جميع العالمين، في جميع ما هم ذاكرون من خطأ أو صواب، وأن يكون قد دخل في هذه الجملة جميع الاختلاف، وقول أهل البدع، فمن زعم أن هذه الجملة على غير ما ذكرنا، فليعرض جميع ما قال الناس عليها، فما وافقها قبله، وما خالفها تركه، فإنا نرجو أن لا يخرج من ذلك شيء أبداً إلا أدرك صوابه وخطاه من هذه الجملة إن شاء الله.
ومن ظن أن شيئاً من هذه الجملة ليس بحق فليعرضه على كتاب الله وسنة رسوله عليه وآله السلام وفطرة العقول، فمن فعل بما أمره الله به، وانتهى عمَّا نهاه الله، ودان بذلك فله ما لنا وعليه ما علينا، نتولى كل مهتد مضى قبلنا، وسيرتنا في ولينا كسيرة نبينا عليه وعلى آله السلام في ولينا، وسيرتنا في عدونا كسيرة نبينا في عدونا.(1/256)


الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، والإسلام ديننا، والكعبة قبلتنا، والموت غايتنا، والحشر يجمعنا، والموقف موعدنا، وحكم الله يفصل بيننا، والجنة والنار أمامنا.
نسأل الله الجنة برحمته، ونعوذ بالله من النار بعفوه، إلى هذا ندعوا من أجابنا ونجيب من دعانا، هذا ديننا ونحلتنا، والطيبون من آل محمد قادتنا، فمن وافقنا على هذا فهو ولينا، ومن خالفنا فهو عدونا، والله ولي المؤمنين، وعدو الفاسقين.
تم الأصل والحمدلله وصلى الله على محمد وآله
وله صلوات الله عليه:(1/257)

51 / 172
ع
En
A+
A-