يقول مولانا وحجة عصرنا سليل الهدى والحكمة/ مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أبقاه الله في كتابه (التحف شرح الزلف) الطبعة الثالثة ص22 في أهل البيت عليهم السلام: ((وكفاهم ما أثنى عليهم الله تعالى في الذكر المنزل، وعلى لسان جدهم المرسل، فهم أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، خيرة الله من ذؤابة إبراهيم الخليل، وحملة حجته من سلالة إسماعيل، وورثة خاتم النبيين، وسيد الوصيين، قال عز وجل: ?إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ?[آل عمران:33،34]، وقال تعالى: ?إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماما قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?[البقرة:124]، وقال عز من قائل: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإبراهيم وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ?[الحديد:26]، وقال جل ذكره: ?أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا?[النساء:54].(1/22)


ثم بين جل وعلا موضع حجته ومنبع حكمته، من هذه الشجرة المطهرة من ذرية الرسول والوصي صلى الله عليهما وعلى آلهما، لُباب هذه الذرية المصطفاة، وخيار الخيار من الصفوة المجتباة، فقال عز من قائل: ?ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا?[فاطر:32]، وقال سبحانه وتعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، وقال عز من قائل: ?قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[الشورى:23]، وقال تبارك وتعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ?[النساء:59]، وقال تعالى: ?فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ?[النحل:43]،وقال جل وعلا ?إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7].)) انتهى.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد نصب بعده علماً للهداية، وإماماً للأمة ودليلاً للمسترشد، أخاه وصنوه ونفسه بنص الكتاب، علياً عليه السلام، وجعله فاروقاً بين الحق والباطل.
فقام عليه السلام بالحفاظ على الدين، وإيضاح المشكل، ورد الشبه، فهذه خطبه عليه السلام التي جمع الرضي بعضها في كتاب نهج البلاغة، مليئة بذكر تنزيه الله عن مشابهة خلقه وذكر عدله وحكمته، وإيضاح الحجج على أن الله لم يقدّر على أحد معصيته، مثل قوله عليه السلام:(1/23)


((أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال: فيم؟ فقد ضمّنه، ومن قال: علام؟ فقد أخلى عنه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير شيء لا بمزايلة)).
ويقول عليه السلام: ((لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبهاً، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلاً)).
وقال عليه السلام: ((لا شبح فيتقضى، ولا محجوب فيحوى، لم يقرب من الأشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق)).
قال المولى العلامة الحجة / مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله في كتابه لوامع الأنوار ج1/ص247 في كلامه على القضاء والقدر:
(( قلت: وقد أبانه وصرح به على مقتضى ما دانت به العدلية في الوجهين، وأوضح مَن الفرقة الموسومة بالقدرية المجوسية من الفريقَيْن، مع ما تقدم من الدلالات القاطعة، والبراهين الساطعة، إمام الموحدين، باب مدينة علم سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، المبين للأمة ما اختلفوا فيه من بعد أخيه، أمير المؤمنين وسيد الوصيين في جوابه للشامي الذي سأله، رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام في الشافي بإسناده إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وقد سأله الشيخ الشامي عن مسيره إلى الشام: أكان بقضاء وقدر؟.
فقال علي عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا وادياً ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي، ما أرى لي من الأجر شيئاً.(1/24)


فقال علي عليه السلام : بلى أيها الشيخ قد عظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين.
فقال الشيخ: فكيف والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا.
فقال علي عليه السلام للشيخ: لعلك ظننت قضاء لازماً، وقدراً حتماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من الله والنهي، ولما كانت تأتي من الله محمدة لمحسن، ولا مذمة لمسيء، ولما كان المحسن بثواب الإحسان أولى من المسيء، ولا المسيء بعقوبة الإساءة أولى من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهود الزور، وأهل العما عن الصواب في الأمور، قدرية هذه الأمة ومجوسها. إن الله أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل الرسل هزؤاً، ولم ينزل القرآن عبثاً، ولم يخلق السماوات والأرض وعجائب الآيات باطلاً، ?ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ?[ص:27].
فقال الشيخ: ما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئاً إلا بهما؟
فقال عليه السلام: الأمر من الله والحكم، ثم تلى:?وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إلا إِيَّاهُ?[الإسراء:23].
فنهض الشيخ مسروراً بما سمع وهو يقول شعراً:
أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته .... يوم النشور من الرحمن رضواناً
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً .... جزاك ربك عنا فيه إحساناً
نفسي الفداء لخير الناس كلهم .... بعد النبي علي الحَبْر مولانا
نفى الشكوك مقال منك متضح .... وزاد ذا العلم و الإيمان إيماناً
فليس معذرة في فعل فاحشة .... يوماً لراكبها ظلماً و عدواناً
لا لا ولا قائل ناهيه أوقعهُ .... فيها عبدت إذا ياقوم شيطاناً
انتهى.))
ولو تتبعنا ذلك لطال الكلام، ومن أراد الاستكثار راجع كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي رحمه الله من كلامه عليه السلام.(1/25)


وبعده عليه السلام كان سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائمين بهذا الدور، حتى استشهدا على أيدي شرار خلق الله.
وبعدهما عليهما السلام كان لذريتهما الدور الذي رضيه الله منهم في تبليغ أحكام الله ورد الضلال، وهذا علي بن الحسين عليه السلام في أشد المحنة، يتصدى لرد قول المجبرة، الذي ورد على لسان أميرهم في ذلك الوقت عندما قال ابن زياد لعلي بن الحسين عليهما السلام: ما اسمك؟.
قال: أنا علي بن الحسين بن علي.
قال: ابن زياد: أولم يقتل الله علياً مع أبيه؟
فقال له علي بن الحسين: ذاك أخي قتله الناس.
ذكر هذا الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام في الشافي ج1/ص 63.
وكذلك الحسن بن الحسن عليهما السلام، الذي حاول في أيام الحجاج إرجاع الحق إلى نصابه، وإبادة الظلم، وإشعال أنوار الحق، فمال عنه ابن الأشعث، ومات مسموماً، سمه الوليد بن عبدالملك بن مروان.
يقول مولانا وحجة عصرنا/ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في كتابه (التحف شرح الزلف) الطبعة الثالثة ص67 في ترجمته للإمام زيد بن علي عليهم السلام:(1/26)

5 / 172
ع
En
A+
A-