وقال سبحانه: ?وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا?[الكهف: 28]، وقال تعالى: ?وَقَالُوا رَبَّنَا إنا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا?[الأحزاب: 67-68]، وقال سبحانه: ?اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ?[التوبة: 31] الآية، وقال: ?إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ?[البقرة: 166]، وقال تعالى: ?وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً?[الفرقان: 27]، فنهى سبحانه عن طاعة الآثم والكافر والمتبع لهواه، وأخبر بسوء حال من أطاع المخلوق في معصية الخالق، فكيف من لم يدع لهم طاعة في معصية الله إلا أتاها، ولا معصية لله في طاعتهم إلا ارتكبها، ولا حرمة في هواهم إلا انتهكها، فأسخط الله وأرضاهم، ورضي بثوابهم عوضاً من ثواب الله، وبولايتهم بدلاً من ولاية الله، أولئك هم الخاسرون.(1/243)


وقال تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ? إلى قوله ?وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ?[آل عمران: 110]، وقال: ?وإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?[الحجرات: 9]، فأمر بقتال الفئة الباغية نصاً في كتابه، وأمر أن يكونوا مع الصادقين ولا يكونوا مع الفاسقين الفاجرين. وقال: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى?[المائدة: 8]، وقال: ?الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ?[البقرة: 194]، وقال: ?وَالَّذِينَ إذا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ?[الشورى: 39 - 42]، وقال تعالى يحكي عن لقمان إذ قال لابنه: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ?[لقمان:(1/244)


17]، فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله فرض على المسلمين أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويقوموا بالقسط في عباده وبلاده، ويأخذوا للمظلوم من الظالم، ويمنعوا الظالم من ظلمه، ويزيلوا الجور والبغي بما أمكنهم وقدروا عليه. ثم إنا نسال الله البلاغ لنا ولكم إلى ذلك والمعونة والقيام به هادين مهتدين، صابرين محتسبين، لا مبدلين ولا مغيرين، حتى تكون كلمة الله هي العليا على كل كلمة، وحكمه العالي على كل حكم، وتكون كلمة من جار عن سبيل الله وأحكام من حكم بغير حكم الله هي السفلى والله عزيز حكيم. ونسأل الله الرحيم أن يصلي هو وملائكته على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين الأخيار، وأن يبدلهم بالخوف أمناً، وبالذل عزاً، وبالعسر يسراً، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، إنه رءوف رحيم.
تم الكلام في هذه الأصول، والحمد لله، وصلواته على سيدنا محمداً النبي وآله وسلامه.
وله أيضاً عليه السلام:(1/245)


كتاب الجملة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وهو الذي لا يمكن الأوهام أن تناله، ولا العقول أن تختاله، ولا الألسن أن تمتحنه، ولا الأسماع أن تشتمله، ولا الأبصار أن تتمثله. إن الله تبارك وتعالى اصطفى الإسلام ديناً، فلم يؤامر فيه ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولم يجعله بأماني الناس، ولم يتبع الحق أهوائهم، ولكنه اصطفى من ملائكته رسلاً إلى من انتجبه من خلقه، فبعثهم أنبياء يدعون الناس إلى خلع الأنداد، وترك عبادة الأصنام، وأن يخلع كل معبود من دون الله تبارك وتعالى.
ثم كلف جميع خلقه الذين حملهم الدين وكلفهم إياه، وأقام عليهم حجتهم أن يعلموا أنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، وأنه لم يزل ولا يزول، ولايتغير من حال إلى حال، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تقدره العقول، ولا تحيط به الأقطار، ولا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير، وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأنه العالم الذي لا يجهل، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والدائم الذي لا يَبيد، والحي الذي لا يموت، والحليم الذي لا يعجل.
وأنه الأول الذي لا شيء قبله ولا قديم غيره، والآخر الذي لا شيء بعده، وأنه القديم وما سواه محدث، وأنه الغني وما سواه إليه فقير، وأنه العزيز وما سواه ذليل، وأنه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأنه العدل في قضائه، الجواد في عطائه، الناظر لخلقه، الرحيم بعباده، الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.(1/246)


وأنه خلق خلقه لعبادته من غير حاجة إليهم، ولا منفعة تصل إليه من عبادتهم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ولكنه تفضل عليهم بخلقه إياهم. وأنه طوقهم وقواهم، ثم أمرهم ونهاهم، فلم يكلف أحداً فوق طاقته، ولم يعذبه على غير معصيته، ولم يمنع أحداً ما ينال به طاعته، وينتهي به عن معصيته، وينجو به من عذابه، ويصير به إلى ثوابه، ولم يفعل بعباده إلا ما فيه رشدهم وصلاح أمرهم، ولم يعب شيئاً من قضائه، ولم يقض شيئاً عابه، ولم يلم أحداً على شيء من تقديره وتدبيره، ولم يعذب أحداً على أمر خلقه وأراده، ولم يرد ما يسخطه، ولم يغضب مما كوَّنه، ولم يكره شيئاً أراده، ولم يرض الكفر لعباده، ولم يحب الفساد، ولا الجهر بالسوء من القول، ولم يأمر بما لا يريد، ولم ينه عمَّا يريد.
وأنه أمر بالطاعة، ونهى عن المعصية، وأن كل ما أمر به منسوب إليه، وكلما نهى عنه فغير مضافٍ إليه ولا منسوب.
وأنه لم يأخذ أحداً على الغِرّة، ولم يعذب إلا بعد قيام الحجة، فأثاب على طاعته، وعذب على معصيته، فلم تزر وازرة وزر أخرى في حكمه، وأنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
وأن أكرم الخلق عند الله اتقاهم لله، وأشرفهم عند الله أكثرهم طاعة له، وأنه لا ذل ولا صغر في الجنة، ولا عز ولا شرف في النار.
وأنه صادق الوعد والوعيد في أخباره كلها، وأنه لا تبديل لكلمات الله، ولا خلف لوعد الله، وأنه لا يبدل القول لديه، وأنه لا يخلف الميعاد، وأن قوله أصوب الأقاويل، وأن حديثه أصدق الأحاديث.(1/247)

49 / 172
ع
En
A+
A-