وقال عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ?[الأنفال: 15 - 16]، وهذا وعيد جاء في أهل الصلاة، وسماهم الله فيه المؤمنين، وأخبر أنه من فعل ذلك منهم غضب عليه وصيره إلى جهنم، وجعل مأواه فيها، ومن كانت النار مأواه فقد يئس من الجنة. وقال سبحانه: ?إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ?[المائدة: 33]، وقال: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى?، إلى قوله: ?لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?[البقرة: 264]، وقال: ?وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ?[المطففين:1]الآية، وقال: ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ?[المائدة: 38]، وقال: ?إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?[النور: 23]، فلم يوجب المغفرة والرحمة إلا بالتوبة والإنابة. وقال: ?وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا?[النور: 4] الآية، وقال: ?سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ?[الأعراف: 145]، ويقال إنما النار لكل صاحب كبيرة، وكل صاحب كبيرة فهو فاسق،(1/233)


وقال: ?وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ?[النساء: 18] الآية.
فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن كل من أصاب كبيرة فاسق فاجر عدو الله، وأنه إذا مات مصرا عليها غير نادم ولا مستغفر فإنه من أهل النار خالداً مخلداً فيها، لا يخرج أبداً منها ولا راحة له فيها فهي أبداً مثواه جزاءً بماً كسبت يداه.(1/234)


باب ذكر أهل الكبائر
وذكر الله براءة أهل الكبائر من الكفر وبين أنهم ليسوا بكفار فقال عز وجل: ?الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ?[الأنعام: 1]، فأخبر أن الكفار بربهم يعدلون، وأهل الكبائر لا يعدلون بالله إلهاً آخر. وقال: ?قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ?[الكافرون: 1-3]، وقال: ?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمان فَتَكْفُرُونَ?[غافر: 10]، إلى قوله تعالى: ?فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ?[غافر: 12]، إلى قوله: ?الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ?، وأهل الكبائر لايشركون بالله شيئاً ولا يكفرون به، ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يعبدون غيره، وإنما هم قوم أصابوا الكبائر على الشهوة منهم والإسأة، وهم لها محرمون، فبذلك خرجوا من اسم الإيمان، ولم يدخلوا في اسم الكفر والجحدان، وقال: ?بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ?[الانشقاق:22].
فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن فسقه قومنا من أهل الصلاة ليسوا بكفار، وهذا تكذيب للخوارج المارقة الذين يشهدون على أهل التوحيد والإقرار من أهل القبلة إذا أصابوا كبيرة من الكبائر أنهم كفار بالله العظيم، خارجون من قبلة الإسلام، فنعوذ بالله من جهلهم وضلالهم.(1/235)


باب ذكر الأحكام في الكفار
وذكر الله عز وجل حكمه في الكفار ففرق بين حكمهم وحكم أهل الكبائر من أهل الصلاة فقال: ?فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ?[محمد: 4]، إلى قوله تعالى: ?حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا?[محمد:4]، وقال تعالى: ?قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً?[التوبة: 123]، وقال: ?وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ?[الممتحنة: 10] يريد النكاح والتزويج؛ وذلك لأنه لا يحل لمؤمن أن يتزوج من الكفار، وقد أحل للمؤمنين أن يتزوجوا الفاسقة من أهل الصلاة.
وقال: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ?[التحريم: 9]، وقال: ?وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ?[النساء: 18] الآية، فأخبر أنه لا يقبل التوبة من صنفين وهم الكفار الذين يموتون على كفرهم، وأصحاب الكبائر الذين يرجون التوبة حتى يحضرهم الموت فيتوبون عند ذلك.(1/236)


فبهذه الآيات علمنا أن فسقة قومنا من أهل الكبائر ليسوا بكفار، وإنما هم فساق ظلمة معتدون، ومن تاب من ذنبه توبة نصوحاً قبل الله توبته، وأسكنه جنته، ومن مات مصراً غير تائب ولا نادم، وأخّر التوبة إلى أن يحضره الموت، لم يقبل الله منه عند ذلك التوبة، وأصلاه الجحيم. وذلك أن الله سبحانه أمر بقتال الكفار وجهادهم، وضرب رقابهم، إلا أهل الجزية، وحرم مناكحتهم، ولم يأمر بقتال أهل الكبائر ولا بجهادهم، إلا من بغي منهم على المسلمين، وجرد سيفه عليهم، أو حارب الله ورسوله، وإلا فإنما عليهم الحدود وما دون ذلك من الآداب ونحوها، وأباح للمؤمنين مناكحتهم، واتباع جنايزهم والصلاة عليهم، ويدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات عامة، وأن يدفنوا في مقابر المسلمين، ولا يفعل شيء من ذلك للكفار. وفي هذا تكذيب الخوارج الذين يحكمون في فساق الموحدين بحكم الكفار، فيسبون ذراريهم، ويغنمون أموالهم بالجهل منهم والتعسف في دين الله، فنعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.(1/237)

47 / 172
ع
En
A+
A-