عبثاً وجهلاً، ولو دخل على الحكيم ضد الحكمة؛ لكان اسم الجهل له لازماً، ومن لزمه اسم الجهل؛ فليس بخالق، والخالق فهو الحكيم غير الجاهل، فتعالى الله الرحمن الرحيم، الخلاق الحكيم، لا إله إلا هو الواحد الكريم عمَّا يقول فيه المبطلون، ويضيف إليه الفاسقون، ويصفه به الجاهلون.
فلينظر من نظر في كتابنا هذا إلى ما يؤول إليه قول من قال بتناقض حجج الرحمن واختلافها في الشرح والبيان؛ فإنه يؤول إلى جحدان الخالق وإبطاله ودفعه له بما يدخل عليه من الجهل في خلق ما يخلق، إذ خلق - بزعم من جهل وفسق - لغير معنى، وقد يعلم أن من فعل فعلاً لغير سبب ولا معنى فإنما عبث واستهزى وضاد الحكمة فيما به أتى، والله سبحانه فمخالف لذلك، متعال سبحانه عن الكينونة كذلك، فقد بان بحمد الله، لكل ذي عقل وعرفان وفهم وتمييز وبيان، أمرُ من قال بتناقض حجج الله أنه غير عارف به ولا مقر، ومن لم يعرف الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله فلم يعبده، ومن لم يعبده فقد عبد غيره، ومن عبد غيره فهو من الكافرين، ومن كان من الكافرين فقد خرج بحمد الله من حد المؤمنين.
فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله الزيادة في الرحمة والهدى، وحسبي الله فنعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
تم كتاب المسترشد
وله أيضاً عليه السلام:(1/198)
كتاب المنزلة بين المنزلتين
بسم الله الرحمن الرحيم(1/199)
شهادة جميع الأمة لنا بحقية ما نحن عليه
قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
إن سأل سائل فقال: من أين زعمتم أن الحق في أيديكم دون غيركم، وجميع من خالفكم يدعي مثل ما ادعيتم؟
قلنا له: إن أقرب الأشياء عندنا الذي قد علمنا به أنا على الحق، ومن خالفنا على الباطل، أن جميع فرق الأمة بجملة قولنا مصدقون، ونحن لهم فيما أنفردت به كل طائفة منهم مكذبون، وهم في ما ندين الله به من أصول التوحيد والعدل، وإثبات الوعد والوعيد، والقول بالمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مصدقون.(1/200)
أصناف المسلمين
وجميع أهل الصلاة عندنا خمسة أصناف: الشيعة، والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة، والعامة، فقد شهدت لنا هذه الفرق كلها في أصل شهادتها بما نقول، ثم نقض ذلك بعضهم، فأقمنا على أصل ما شهدوا لنا به، ولم ننقض ذلك كما نقضه بعضهم.(1/201)
شهادتهم لنا في التوحيد
وذلك أنهم شهدوا أن الله واحد ليس كمثله شيء، ثم نقضت ذلك المشبهة بقول من قال منهم: إنه على صورة آدم، وبقول من قال: إنه جسم محدود، وبأقاويل لهم كثيرة كلها نقضت قولهم: واحد ليس كمثله شيء، لوصفهم له بالأجزاء، والأعضاء، والحدود، والزوال، والانتقال، تعالى الله عمَّا قالوا علواً كبيراً، فعلمنا أن الذي ليس كمثله شيء لا يكون على صورة شيء، ولا يكون جسماً محدوداً؛ لأن ما كان كذلك كان أجزاء كثيرة، بعضها غير بعض، ولم يكن واحداً؛ لأن الواحد في الحقيقة لا يكون له أشباه، ولا يكون له ثان. فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء، أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم، إذ نقضوا به شهادتهم، فهذا ديننا، وشهادتنا، وحجتنا على كل من خالفنا في التوحيد.(1/202)