الحوض والشفاعة
ولا أنكر الحوض ولا الشفاعة، ?لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وإن اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ?[الأنفال: 42] ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ?[فصلت: 46]
فهذا ديني واعتقادي، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على خير خلقه أجمعين محمد وعترته الطاهرين.(1/128)
كتاب المسترشد في التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علا بطوله، وجل بحوله الداني في علوه، والنائي في دنوه رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين، الذي بان عن مشابهة المخلوقين، وتقدس عن مناظرة المحدودين، المتجلي لعباده الموقنين بما أراهم من بدائع فعله في المربوبين، بل بما أراهم في أنفسهم من عظيم تدبيره، وبين لهم فيهم من لطيف صنعه وتقديره، فكلهم يشهد له ضرورة بالرُّبوبية، وينطق له ويقر بالفعل والأزلية، كما قال ذو الجلال والسلطان فيما نزله على نبيئه من النور والفرقان حين يقول سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه: ?وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ?[العنكبوت: 61]، وقال سبحانه: ?وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ?[العنكبوت: 63]، فسبحان الذي علمه بخفيات ضمائر الصدور كعلمه بما ظهر وأنار من الأمور، الذي لا تخفى عليه الخفيات، ولا تستتر عنه المستورات، ولا تحتجب عنه المحجوبات، ولا تعروه الغفلة والسنات، ولا تنتظمه بتجديد الصفات، ولا تنقصه الأَيّام والسّاعات، بادئ خلق الإنسان من طين، والباعث له يوم الدين والمجازي لعباده على أعمالهم، المحيط بالصغير والكبير من أفعالهم، مقيل العثرات، وغافر السيئات، المعطي على الحسنة الحسنات، قابل التوبة من التآئبين، الواحد الفرد الكريم، الرؤوف بعباده الرحمن الرحيم، العدل في أفعاله الجواد، البري من جميع أفعال العباد، المتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد، كذلك الله ذو العزة والإياد، وصلى الله على محمد خاتم النبئين، ورسول رب العالمين، والحجة على جميع المخلوقين، المصلح لله في بلاده، الداعي إليه جميع عباده، السراج الزاهر(1/129)
المنير، وصفوة اللطيف الخبير، وعلى آله.(1/130)
معنى العزيز والعزة
ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
إن سأل سائل: فقال ما معنى قول الله ذي الجلال والإكرام ?وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?[المنافقون: 8]، وقوله سبحانه ?سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ?[الصافات: 180]، وقوله:?الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ?[الحشر: 23]؟
قلنا له إن شاء الله: إن معنى العزيز هو الممتنع الذي لا يرام ولا يناضا ولا يضام، ولا يعز أبداً من أَذَلَّ، ولا يذل أبداً سبحانه من أعز، الذي لا يعجزه شيء، ولا يقدر عليه شيء، مدرك مطلوبيه، وغالب مغالبيه، ومذلَّ مناصبيه.
وأما العزة فهي العزة التي أعز بها عباده المؤمنين، وأوليائه المتقين. فأول اعزازه لهم محبته لهم ورضاه عنهم، وغفرانه ذنوبهم، وتأييدهم وتوفيقهم، فإذا فعل ذلك لهم فقد أعزهم وأيّدهم، وأعطاهم من العزة ما لم يعط غيرهم مع ما جعل وأعطى أهل المعرفة به والدين والإخلاص له، والعلم واليقين من أهل بيت الرسول عليهم السلام من الكرامة والولاية، والاستخلاف في الأرض والإمامة، فحكم بالأمر والنهي، والطاعة لمن كان كذلك منهم حكماً، وعزم لهم به دون غيرهم عزماً، فجعلهم خلفاء الأرض الهادين، القائمين بقسط رب العالمين، وأمناءه على جميع عباده المؤمنين.(1/131)
يأمن في سلطان من كان على ما ذكرنا منهم المؤمنون، ويخاف في دولتهم وقربهم الفاسقون، خافضين لأجنحتهم، واضعين لجبَريَّتِهم. أودّآهم المطيعون لله وإن بعدت أرحامهم، وأعداؤهم المحادون له وإن قربت أنسابهم، فهم كما قال الله سبحانه فيهم وفي من كان من أوليهم وآبائهم حين يقول: ?قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ?[الممتحنة: 4]، اتبعوا قول الله تبارك وتعالى وعملوا به حين يقول جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: ?لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[المجادلة: 22]، أهل فضاضة على الكافرين وغلظة، ذووا رحمة بالمؤمنين ورآفة ورقة، يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويبتغون الفضل من الله والنجاة، ويطلبون منه الرضوان والرحمة والحياة، فهم كما قال الله فيهم وفيمن تقدم قبلهم من آبائهم ومن سلك مسلكهم من أولادهم، بهم ضرب الله الأماثيل في التوراة المطهرة والإنجيل، وهم وُعِدُوا في واضح التنزيل المغفرة والرحمة والجزاء العظيم، ألا تسمع كيف يقول في ذلك الرحمن الرحيم:?مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ(1/132)