جواب لأهل صنعاء على كتاب كتبوه إليه عند قدومه البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي ليس كمثله شي وهو السميع البصير.
أما بعد؛
فقد جاءني كتابكم تحذرون البدع المضلة، والأهواء المغوية، والآراء المحدثة، والميل إلى الخلاف والفرقة، وتحثون على لزوم الجماعة والأبرار الذين كانوا أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وذلك عندما بلغكم من اجتماع الناس على عيبي وطعنهم عليَّ، وتنقصهم إياي، وشتمهم لي من غير حدث أحدثت، ولا خلاف أظهرت، ولارأيٍ قبيح ابتدعت. زعموا أني تركت المنهاج الأكبر، وأني سلكت الطريق الأوعر. وتسألوني ما أنا عليه، وما أنا متمسك به، وإيضاح ذلك من لدن التوحيد إلى آخر فريضة من فرائض الله، وقد فسرت جميع ذلك في كتابي هذا حسب طاقتي، وبالله حولي وقوتي، وعليه أتوكل في جميع أموري.(1/118)
الإيمان بالله
أما الذي أرجو به الفوز، وهو لي عدة من عذاب الله وحرز وجُنَّة: فإقراري لله عز وجل بالربوبية، وشهادتي له بالوحدانية، وإذعاني له بالعبودية، وأنه خالق كل شي مما يرى ومما لا يرى، في بطن الأرض وما تحت الثرى، وما في السموات العلى، بلا معين أعانه عليه، ولا دليل احتاج إليه، ولا مثال احتذى عليه. تفرد بخلق الأشياء لا من أصول أولية، ولا أوائل كانت قبله بدية، لكن مثلها بحكمته، وابتدعها بقدرته، من غير مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه.
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الإبصار، ولا يوصف بتجسيد ولا أقطار. أزلي صمدي على غير كيفية، ولا وسوسة الصدور، بل ارتفع عن تحديد بصر البصير.(1/119)
الإيمان باليوم الآخر
وأشهد أن الجنة حق دار بقاء ونعمة، خلقها وكونها من رضوانه، فجعلها للمطيعين ثواباً. وأن النار دار شقاء ونقمة، خلقها من سخطه، فجعلها للعاصين عقاباً. لا يفنى عذابه، ولا يبيد ألمه، ولا يخلف وعده ولا وعيده، ولا يظلم عبيده، وإليه نحشر يوم ينفخ في الصور، عند صيحة النشور، فنثور بعد البلاءِ من القبور، ويدعوا الكافر المغرور بالويل والثبور، ونعرض على الرحمن صفاً، ويعض الكافر من الندامة كفاً، فيفصل بيننا بعدل لا يجور، فريق في الجنة وفريق في السعير.
فسبحان من ملكه دائم لايزول.(1/120)
الإيمان بمحمد
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اختاره بعلمه، وبعثه إلى خلقه، وائتمنه على وحيه؛ فدعى الناس إلى الله بجد واجتهاد، رحيماً بالعباد، ونوراً للبلاد، فافتتح الدعوة بقومه، صلى الله عليه وآله وسلم، فأبوا له التسليم، وهموا به العظيم، ومنعوه الأسواق، وضيقوا عليه الآفاق، ونصبوا له الحبايل، وطلبوا له الغوايل، وشحذوا له السيوف ليذيقوه الحتوف، فعصمه الله منهم، ورد كيدهم بينهم في نحورهم، وأيده بنور ساطع، وحجج حق وسيف قاطع، وبراهين صدق في القلوب واقع، فأدخلهم في الملة بين مسلم مستسلم، وبين مستسلم متجشم، يكتمون النفاق مخافة ضرب الأعناق، فصلى الله على الناصح الشفيق، محمد بن عبدالله الطيب الرفيق، الدال على المنهاج الواضح، والطريق اللايح، صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الأخيار وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب أسبق السابقين سبقاً، وأولهم ايماناً وسلماً، أنقذنا الله به من شفا الحفرة، ومغاليط الكفرة، وسحقات الفجرة.(1/121)
الإيمان بالقرآن
ثم إني أشهد أن القرآن وحي الله وكتابه وتنزيله، أنزله على نبيه عصمة لمن اعتصم به، ونجاة لمن تمسك به. من عمل به نجا، ومن خالفه غوى وفي النار غداً تردى، مفصل آياته، موصل محكماته، كثيرة عجايبة، سنية مذاهبه، نيِّر برهانه، واضحة حجته.(1/122)