وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?[التوبة: 24].
فمهلاً أولئك مهلاً عن التخلف عن الله والاجتراء، هلموا إلى الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالم والمنكر.
هلموا إلى قسم فيئكم عليكم، وإحياء كتاب الله وسنن رسوله فيكم.
هلموا إلى غناء فقرائكم، والأخذ بالحق في أغنيائكم.
هلموا إلى أخلاق المسلمين، والاقتداء بمن مضى من الأئمة المجاهدين.
هلموا إلى الطلب بكتاب الله، والانتصار من أعدائكم.
هلموا إلى نصر الله ونصر الحق والمحقين.
هلموا إلى جهاد الفسقة الظالمين من أهل قبلتكم من جبابرتهم من الأشراف وغيرهم.
ألستم ترون - عباد الله المخلصين، والقائلين في الله بالتوحيد، المقرين بما ذكر الله في الوعد والوعيد - إلى دينكم مقتولاً، وإلى الحق الذي أنزله على نبيكم مخذولاً.
حكم الكتاب معطلاً بينكم، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معدوم فيكم. ترتع أعداء الله في جنى أموال المسلمين، قد أمنوا من تغييركم عليهم، ويئسوا من نكايتكم فيهم، وبسطوا أيديهم عليهم، وحكموا بحكم الشيطان فيهم، ?يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ?.
حرموهم فيئهم، واصطفوا مع ذلك أموالهم، وأجاعوا بطونهم، وأعروا ظهورهم، وأضاعوا سبيلهم، وأخافوهم على أنفسهم، يحتفون أموالهم، ويقتلون رجالهم، يمنعونهم النصف، ويسومونهم الخسف، هتكاً للحريم وتمرداً على الله العظيم.
إن شهدوا لم يصدقوا، وإن سالموا لم يتركوا، أعزاؤهم عندهم أذلة، وعلماؤهم عندهم جهلاء، وحلماؤهم عندهم سخفاء، وعبَّادهم لديهم سفهاء.(1/708)
قد جعلوا فيئهم بينهم دولاً، وأولادهم لهم خدماً وخولاً، يشبعون ويجوعون، ويسعون في رضاهم ومصالحهم، ويسعون في هلاكهم وسخطهم، فهم لهم خدم لا يشكرون، وأعوان لا يؤجرون.
هممهم همم حميرهم، هممهم ما واروه في بطونهم، وباشروه بفروجهم، واستغشوه علىظهورهم. نهارهم دائبون في إخمال الهدى والحق، وليلهم في التلذذ والطرب والفسق.
فراعنة جبارون، وأهل خيلاء فاسقون، إن استرحموا لم يرحموا، وإن استنصفوا لم ينصفوا، وإن خوفوا لم يخافوا، وإن قدروا لم يبقوا، وإن حكموا لم يعدلوا، وإن قالوا لم يصدقوا.
لايذكرون المعاد، ولا يرحمون العباد، ولا يصلحون البلاد، رافضون معطلون للنكاح، مظهرون معتكفون على السفاح، المنكر بينهم ظاهر، وأفعال قوم لوط أفعالهم، وأعمالهم في ذلك أعمالهم، يتخذون الرجال ويأتونهم من دون النساء، ويظهرون الفجور علانية والردى، ويأتون في ناديهم المنكر، وبجاهرون بذلك العلي الأكبر.
سفهاؤهم أمراؤهم، وأشرارهم حكامهم، وعظماؤهم أردياؤهم.
الغدر شيمتهم، والفسق همتهم. إن عاهدوا نقضوا، وإن أُمِنوا غدروا، وإن قالوا كذبوا، وإن أقسموا حنثوا.(1/709)
قد قتلوا الأرامل والولدان، وحرموهم ما جعل الله لهم من السهمان، قد قتلوا الكتاب والسنة، وأظهروا المنكر والبدعة، وخالفوا ما بعث الله به النبي المرسل، وحكموا بغير حكم الكتاب المنزل، أضداد الحق والمحقين، أولياء الباطل والمبطلين، وحزب الشيطان، وخصماء القرآن، وأعداء الرحمن. في الفسق منغمسون، وعن الحق مجنبون، لم ينالوا ما نالوا من أولياء الله إلا بالغدر، ولم يقدروا عليهم إلا بالختر، وعقد مواثيق الله له في أعناقهم، وبسط أمان الله وأمان رسوله له منهم، فإذا ركن إلى عظيم ما يعطونه، ووثق بجليل أيمانهم قتلوه من بعد ذلك غادرين، ومثلوا به ناكثين، لا فيما اعطوه من عقود الله ومواثيقه له ينظرون، ولا في الأيمان المؤكدة التي له يفكرون، اجتراء على الله العظيم، وعدولا منهم عن الصراط المستقيم، عنوداً عن الحق المبين، ومضادة لأحكام أرحم الراحمين، ومخالفة لسنن الرسول الأمين، ومباينة ومجانبة لشرايع الإسلام، وتشبهاً بفعل أهل الشرك والكفر والطغيان، بل الكفار الطغام أوفى بالعهود منهم، وأحفظ لعهودهم منهم بعهدهم، وأقل اجتراءً منهم في كثير من الأمور على خلافهم، وهم في ذلك يدعون أنهم أئمة المسلمين، وقادة المؤمنين وخلفاء للواحد الكريم وولاة للعظيم الرحيم.(1/710)
كلاّ!! والذي نفس يحيى بن الحسين بيده، ما ولَّى الله أولئك على خلقه، ولا قلّدهم شيئاً من أمره، ولا أجاز لهم أمراً ولا نهياً في شيء من أرضه. وكيف ذلك يكون والله سبحانه يقول لنبيئه، صلى الله عليه، إبراهيم خليله حين سأله أن يجعل ذريته أئمة كما جعله هو صلى الله عليه إماماً؛ فأخبره الله سبحانه إنه لا يجعل الولاية إلا للمتقين، ولا يعقد الإمامة لأحد من الفاسقين، ولا يعقد عقدها للظالمين، وذلك قوله سبحانه: ?وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماما قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?[البقرة: 124] فمنع من عهده وعقده، ومؤكد إمامته كل ظالم من خلقه.(1/711)
فأي ظلم، يرحمك الله، أو غشم أو فسق أو إثم أعظم مما فيه من هو يدعي أنه إمام للمسلمين أو أمير للمؤمنين، من الذين أماتوا الكتاب والسنن، وأحيوا البدع والفتن، وقتلوا الحق، وأحيوا الفسق، وجلسوا في غير مجلسهم، وتعاطوا ما ليس لهم، ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ?[البقرة: 16] فأين لكم يا أهل الإسلام، وكيف يرضى من آمن بالرحمن بالظلم والغشم من حزب الشيطان، الذين جاهروا ربهم بالكفر والعصيان، وحادوه في كل شأن، ?إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ?[المجادلة: 21]، صدق الله في قوله، لقد حكم الله للحق والمحقين بالغلبة للباطل والمبطلين، ولكن أين الناهضون في أمره، المنجزون لوعده، المتعرضون لنصره،، فإنه يقول سبحانه: ?وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ?[الحج: 40] بلى وعسى، إن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، عسى الله أن يجعل فيكم يا أهل التوحيد خلفاً من الأولين المجاهدين، الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم لله رب العالمين، فشمروا يرحمكم الله واجتهدوا، واطلبوا النجاة من الله تعالى بجهادهم تنجوا، فإنه يقول سبحانه: ?فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ?[آل عمران: 195] فجاهدوا كما جاهد أولئك من سلفكم المؤمنين من الأولين والآخرين، فلقد جاهدوا أعداء الله واحتسبوا، فلقوهم وجالدوهم وصابروهم، والفسقة حينئذ أقوياء أعزاء، جيوشهم جامعة، وأموالهم كاملة، وكلمتهم(1/712)