مسألة في الإمامة
بسم الله الرحمن الرحيم
بما وجب على الخلق طاعة أهل البيت
سألت يا أبا عبدالله - حفظك الله ووفر في الخيرات حظك - عن المعنى الذي وجبت به لنا على الخلق الطاعة، ووجب به علينا جهاد من أبدى لنا المعصية، وثبتت به لله سبحانه في ذلك علينا الحجة، حتى حكمنا بالهلكة على المخالفين عن دعوتنا، وبالنجاة للمسلمين لأمرنا، الساعين في طاعتنا، حتى سمينا من قتله الظالمون منَّا شهيداً، وحكمنا له بالوعد الذي وعد الله الشهداء وسمينا من قتلنا نحن من الظلمة كافراً متعدياً، وحكمنا عليه باستحقاق الوعيد من الله العلي الأعلى.
وهذا أكرمك الله فقد وجب لنا على أنفسنا السؤال عنه، والبحث لها فيه عندما دعتنا إليه من دعاءِ الخلق إلى طاعتنا، والمنادات إلى إجابتنا، وضرب أعناق المحاربين لنا، وأخذ أموالهم واستباحة ديارهم، فسألناها فقلنا: ما الذي وجب لك به ذلك؟
فكان من جوابها لنا عندما احتجنا إليه من علم ذلك منها أن قالت: وجب لي بما وجب للأئمة من قبلي من لدن القاسم بن إبراهيم عليه السلام ومن تقدمه من الأئمة القائمين، الذين كانوا حججاً لله على العالمين سواء سواء.
فقلنا لها: فبما وجبت لأولئك صلوات الله عليهم الطاعة على الخلق؟
فقالت: لوجوب الإمامة التي عقدها الله لهم بأحق الحق، وأوضح القول والصدق.
فقلنا لها: ولم عقد الله سبحانه الإمامة لأولئك، وبأي معنى كانوا صلوات الله عليهم عند الله عز وجل كذلك؟(1/663)


فقالت: بولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبمعرفتهم بذي الجلال والإكرام، وبالورع الذي جعله الله قواماً للإسلام، وبالمعرفة بالحلال عند الله والحرام، وبما يحتاج إليه في الدين جميع الأنام، وبأخذ الحق وإعطائه، وبقله الرغبة في الدنيا، والزهد في دار الفنا، وبالرغبة والمحبة لدار البقاء، وبكشف الروس، وتجريد السيوف، ورفع الرايات لله وفي الله عز وجل، والمنابذة لأعداء الله، وبإظهار الدعاء إلى الله، والغضب لله والرضا، وإقامة الدار، والدعاءِ إلى الواحد القهار، وإحياء الكتاب والسنة، وإقامة الحق والعدل في الرعية، والاطلاع على غامض كتاب الله ووحيه، الذي لا يطلع عليه إلا من قلده الله السياسة، وحكم له بالإمامة دون غيره، فآتاه الحكمة، وخصه بالفضيلة، وأكمل له النعمة، وجعله له على الخلق حجة، وبالشجاعة عند اللقاء، والصبر في البأساء والضراء، وبالجود والسخاء، مع النصفة للأولياء.(1/664)


فصدقناها فيما احتجت به من الأمر الذي يجب به من الله سبحانه الإمامة لأهلها، ويتأكد لهم به من الله عز وجل فرض الطاعة على خلقه. فلمَّا أن أجمعنا نحن وهي على أن من كانت فيه هذه الخصال، وثبت له ما ذكرنا في كل حال، فقد وجبت له بحكم الله الإمامة، وتأكدت له بفرض الله على الخلق الطاعة، أوجبنا على أنفسنا المحنة فامتحناها فيما أجمعنا نحن وهي وغيرنا عليه من الشروط التي تجب بها الإمامة وتثبت بها لأهلها على الخلق الطاعة، فلم نجدها ولله الحمد عن ذلك منصرفة، ولا منه معوزة، بل وجدناها به قائمة، وبالتسمية به مستحقة، فأجبناها إلى ما دعتنا إليه، وأعناها بكليتنا عليه، فصدقناها ولله المن بعد المحنة به. ولك، يا أبا عبدالله، أكرمك الله، علينا من الحجة والسؤال والمحنة مثل الذي كان لنا على أنفسنا، فانظر من ذلك معنا بمثل ما نظرنا نحن به مع أنفسنا، فإن وجدت ما وجدنا وشهد عقلك لك في أمرنا بمثل ما شهدت به عقولنا لأنفسنا، فقد حق لك ما طلبت، وصح لك ما عنه سألت، وجاءتك من نفسك البينات، وأنارت لك من ذلك النيرات. وإن لم تجد الشروط التي نشهد نحن وأنت وكل المسلمين بأنها شروط الأئمة الهادين المفترضة طاعتهم، والمحرمة معصيتهم كنت على بينة من أمرك، ورخصه من فرضك وراحة من تعبك.
واعلم هداك الله أن الامتحان والنظر لا يكون إلا بالنصفة من المتناظرين، وطلب الحق عن ذلك من المتسائلين، وقبول الحق عند ظهوره، وأخذه بأفضل قبوله، ونحن - أكرمك الله - لكل ذلك لك باذلون، وإليه لك مسرعون، وله منك محبون، فهذا الباب الذي وجبت به إمامة كل إمام على جميع من تقدم من أهل الإسلام، وبه تجب إمامة من بقي من أئمة الهدى إلى آخر أيام الدنيا، ولن تجب إمامة إمام أبداً لغير ما ذكرنا، ولن يوجد سبب يثبت لأحد سوى ما شرحنا.
تمّ والحمدلله كثيراً.(1/665)


كتاب القياس للهادي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي فطر الأشياء على إرادته، وجعلها كيف شاء بعزته، وعم المخلوقين برحمته، ولم يوجد شيئاً لغير حكمة، ولم تعدم منه في الموجدات آثار قدرته، فكل شيء عليه سبحانه دليل، فتبارك الله الواحد الأحد الجليل، الذي لا تعزه كثرة المخلوقين، ولا ينقصه قلة المربوبين، الذي لا تتم لغيره الصالحات، ولا تبلغ شكر آلائه القالات، ولا تحيط بذكر إفضاله الصفات، ولا تعروه السنات، العالم بخفيات الغيوب، المطلع على سرائر القلوب، الذي لم يحل بين عباده وبين طاعته، ولم يدخل أحداً من خلقه في معصيته، الهادي للسبيلين، والمبين للنجدين، والفاصل بين العملين، المحتج بالرسل على العالمين، المتفضل على الخلق بالمرسلين، الذي لم يزده إيجاد الخلق به خبرة، ولم يترك لهم عليه سبحانه حجة، الذي لم يزل ولا يزال الواحد الأحد الصمد، ذو الجلال، أول الأولين، وآخر الآخرين، وفاطر السموات والأرضين، الذي ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11]، ?لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ?[الأنعام:103]، الذي ?لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ?[الإخلاص: 4،3]، ?الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا?[الإسراء:111]. وصلى الله على محمد عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من بريته، صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم تسليماً.
ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم:(1/666)


سبب اختلاف الأمة هو لرفضها أهل البيت
إن سأل سائل فقال: من أين وقع في هذه الأمة هذا الاختلاف في الحلال والحرام؟ حتى صار كلٌ يُفتي برأيه، ويتبع في قوله أئمة له مختلفين، فيقول في ذلك بأقاويل قوم مفترقين، فإذا وردت مسألة على وجه واحد أحلها محلل وحرمها محرم، فكيف يجوز أن يكون معنى واحد مؤتلف، يأتي فيه قول متشتت مختلف؟ فيحل على لسان مفت لمستفتيه، ويحرم على لسان آخر على من نظر فيه.
قيل له: وقع هذا الاختلاف وكان ما عنه سألت من قلة الائتلاف، لفساد هذه الأمة وافتراقها، وقلة نظرها لأنفسها في أمورها، وتركها لمن أمر الله باتباعه، والاقتباس من علمه، ورفضها لأئمتها وقادتها، الذين أُمرت بالتعلم منهم، والسؤال لهم، وجُعِلُوا شفاء لداء الأمة، ودليلاً على كل مكرمة، ونهاية لكل فضيلة، في (ب): وأصلاً لكل خير، وفرعاً لكل بر، وفصلاً لكل خطاب، ودليلاً على كل الأسباب من حلال أوحرام أو شريعة من شرائع الإسلام. فلما أن تبرأت الأمة منهم، واختارت غير ما اختار الله، وقصدت غير ما قصد الله، فرفضت علماءها، وقتلت فقهاءها، وأبادت أدلتها إلى النجاة والصواب، وحارت لذلك عن رشد كل جواب، ولم تهتد إلى وجه قول من الأقوال في حرام ولا حلال، فضلّت عند ذلك وأضلت، وهلكت وأهلكت، وتقحمت في الشبهات، وقالت بالأقاويل المعضلات، تخبطاً في الدين، وتجنباً عن اليقين، ضلالاً عن الحق، ودخولاً في طرق الفسق، ظلماً وطغياناً، وضلالة وعصيانا. تركت ما به أُمرت، وقصدت ما عنه نهيت، فقال كل واحد منها فيما يرد عليه من الدين بهوى نفسه، وإرادة قلبه، وتمييز صدره، لم يهتد في ذلك بهدى، ولم يلق فيه مصابيح الدجى، ولم يسأل عنه أهل البر والتقوى، ولم يهتد فيه بالأدلاء.(1/667)

133 / 172
ع
En
A+
A-