أفعال العباد
والله عز وجل بريء من أفعال العباد، وذلك قوله تبارك وتعالى: ?إن اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?[النحل:90]، وقال سبحانه: ?وَإذا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءَابَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إن اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ?[الأعراف:28]، ثم قال: ?سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إن تَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وإن أَنْتُمْ إلا تَخْرُصُونَ?[الأنعام:148]، فأكذبهم الله في قولهم، ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم. وقال سبحانه: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ?[الذاريات:56]، فذكر أنه خلقهم للعبادة لا للمعصية، وكذلك نسب إليهم فعلهم حيث يقول: ?وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ?[القمر:52]، يقول: فعلوه، ولم يقل: فعله، بل نسبه إليهم؛ إذ هم فعلوه.
وقال عز وجل في فعله هو: ?اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ?[الرعد:16، الزمر:62]، يقول: هو خالق كل شيء يكون منه، ولم يقل: إنه خلق فعلهم، بل قال: ?وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا?[العنكبوت:17]، يقول: تصنعون وتقولون إفكاً، كما قال: ?تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا?[النحل:67]، يقول: أنتم تجعلونه.(1/62)
وتبيين الكفر والإيمان من الله عز وجل، وفعلهما من الآدميين، ولولا أنه عز وجل بين لخلقه الكفر والإيمان؛ ما إذا عرفوا الحق من الباطل، ولا المعتدل من المائل، و لكن عرَّفهم بذلك، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في بعض مواعظه: ((خلقنا ولم نك شيئاً، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنا الأقلام، وأزال عنا الآثام، فلم يكلفنا معرفة الحلال والحرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وسهل لنا السبيل، نصب لنا العَلَم والدليل، من سماء ورفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها، فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، أرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، وبين لنا الحلال والحرام، والحدود والأحكام، فلما وصلت دعوته إلينا، وقامت حجته علينا؛ أمرنا ونهانا، وأنذرنا وحذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاء وافق أعمالهم، ونكالاً بسوء فعالهم، ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ?[فصلت:46])).
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل، حيث يقول: ?وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ?[الأعراف:43]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته: ((صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي، قد لعنوا على لسان سبعين نبياً: القدرية والمرجئة. قيل: وما القدرية يا رسول الله ؟ وما المرجئة ؟ فقال: أما القدرية فهم الذي يعملون المعاصي ويقولون: إنها من الله قضى بها وقدرها علينا. وأما المرجئة فهم الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل.)) ثم قال صلى الله عليه وآله: ((القدرية مجوس هذه الأمة)).(1/63)
الوعد والوعيد
ثم يجب عليه أن يعلم أن وعده ووعيده حق، من أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار أبد الأبد، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: ?خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا?، ويقول: ?وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا?[المائدة:37]، ففي كل ذلك يخبر أنه من خل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها، فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله العون والهدى، فإنه ولي كل النعماء، ودافع كل الأسواء.(1/64)
الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ثم يجب عليه أن يعلم أن محمداً بن عبدالله بن عبد المطلب، عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وصفوته من جميع بريته، خاتم النبيين لا نبي بعده، قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ثم قبضه الله إليه حميداً مفقوداً. فصلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين وسلم.(1/65)
إمامة علي عليه السلام
ثم يجب عليه أن يعلم أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ووصي رسول رب العالمين، ووزيره وقاضي دينه، وأحق الناس بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل الخلق بعده، وأعلمهم بما جاء به محمد، وأقومهم بأمر الله في خلقه، وفيه ما يقول الله تبارك وتعالى: ?إنما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ? [المائدة:55]، فكان مؤتي الزكاة وهو راكع علي بن أبي طالب دون جميع المسلمين. وفيه يقول الله سبحانه: ?وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ?[الواقعة:10-12]، فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه يقول الله عز وجل: ?أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?[يونس: 35]، فكان الهادي إلى الحق غير مهدي، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله؛ فهو أحق بالإمامة؛ لأن أسبقهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرُهُم بكل خيرٍ أولاهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل؛ فكثير غير قليل.(1/66)