فأمَّا ما تقول الإمامية الضالة الهالكة العمية، وتجتري به على الواحد الجليل، فيما تذكر وتصف من العَلَم والدليل، فقول لا يلتفت إليه عاقل، ولا يشك في بطلانه إلا عمٍ أحمق جاهل، وذلك أنها زعمت وقالت فيما به تكلمت وذكرت: أن العَلَم والدليل في إمامها خلاف ما كان في نبي من أنبياء الأمم، وأنه يأتي بما لم يأتِ به الأنبياء من بدع محالات في كل الأشياء، ومن قال بمحال فليس يثبت له قول في حال من الحال، فزعمت أنه يختم بخاتمه في الصفا ويؤثر فيقرأ نقش خاتمه فيها كما يقرأ في الشمع والطين، وينادي فيما زعمت الإمامية في السماء مناد: ((أن فلان بن فلان إمامكم الهادي المهدي))، بوراً في قولها، وتعدياً في أمرها، وإحالة في حجتها، وغلواً في دينها، ولو كان ذلك يكون لأحد من العالمين، لكان لمحمد خاتم النبيين، ولو نادى في السماء مناد بنبوة النبي لما اختلف فيه من فراعنة قريش منصف ولا غوي، فقولها قبحت أقوالها قول شاهد بالزور عليها في كل أحوالها، لا يلتفت إليه أحد، ولا يوجد لمتعلق به ملتحد، فضيحة على من دخل فيه، ومهتكة هاتكة لمن نسب إليه، ولا دليل ولا علَمَ ولله الحمد أدل ما به قلنا من دلائل الإمامة، وشرحنا من معجزاتها التي فسرنا، فاعلم ذلك علماً يقيناً، وليثبت في قلبك ثباتاً مبيناً، يبن لك به الصواب، وينحل عنك الارتياب، إن شاء الله والقوة بالله وله.
تمّ والحمد لله وحده
وله أيضاً عليه السلام:(1/598)
تثبيت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
تثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من كتاب الله عز وجل، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إن سأل سائل أو تعنت متعنت جاهل عن تثبيت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.
قيل له: أيها السائل المتكلم المسترشد المتعلم، تثبت له بقول الله سبحانه، وقول رسوله المصطفى محمد عليه السلام.
فإذا قال: أوجدونا في الكتاب ما قال الله، وثبتوا لنا كيف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟(1/599)
قيل له: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، ثم قال: (( أيها الناس إنه سيكذب علي من بعدي كما كذب على الأنبياء من قبلي؛ فما جاءكم عني من حديث فأعرضوه على كتاب الله، فما شاكل كتاب الله فهو مني وأنا قلته، وما لم يشاكل كتاب الله فليس مني ولم أقله.))، فلما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( علي مني بمنزلة هارون من موسى )) علمنا أنه لم يقل ذلك محاباة، ولا اختياراً منه ولا مصافاة، إلا بأمر من الله واجب، وحق مبين ثاقب، فلما قال صلى الله عليه وآله وسلم علي مني بمنزلة هارون من موسى، وجدنا تصديق قوله صلى الله عليه وآله وسلم مثبتاً في الكتاب وهو قول الله عز وجل: ?أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إماما وَرَحْمَةً?[هود: 17]، فلما قال الله ويتلوه شاهد منه صدق قول الله سبحانه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( علي مني بمنزلة هارون من موسى.))، لقول الله ?شَاهِدٌ مِّنْهُ?، فلما قال رسول الله عليه السلام (( علي مني ))، وقال الله ?شَاهِدٌ مِّنْهُ?، كان رسول الله من علي وعلي منه، بقول الله وبقول رسوله عليه السلام، كرهنا أو أحببنا، شئناً ذلك أو أبينا، لا ننظر في ذلك إلى قول محب مريد، ولا نلتفت إلى قول مبغض مكابر عنيد، ولا نأخذ في ذلك بتصديق محب، ولا ننظر أيضاً في تكذيب مبغض؛ لأن الله سبحانه قد حكم في ذلك بما حكم، واختار سبحانه ما اختاره، فقال تبارك وتعالى في كتابه المنزل على نبيئه المرسل: ?وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ?[القصص: 68]، ثم قال: ?سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ?[القصص: 68] فحكم الله على من اختار سوى خيرته بالشرك؛ لقوله عز وجل: ?سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ?[القصص:68]، فنسمع الله قد اختار علياً(1/600)
بعد محمد لقول الله ?شَاهِدٌ مِّنْهُ?، ولقول الرسول: (( علي مني ))، وذلك لعلم الله تبارك وتعالى في عليِّ؛ لأن علياً سبق الخلق إلى الله وإلى رسوله، لا يشك في ذلك عاقل، ولا ينازع فيه إلا جاهل، لأن الله سبحانه يقول: ?السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ?[الواقعة: 10]، فلما شهد الله تبارك وتعالى للسابق بالجنة، أجمع الخلق أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أسبق الخلق إلى الله وإلى رسوله، فشهدنا لعلي بن أبي طالب بما شهد الله له به ورسوله، لا باختيارنا بل من أصل آذاننا ?فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إنا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا?[الكهف: 29]، صدق الله سبحانه، وبلغت رسله، وإنا على ذلك من الشاهدين، والحمدلله رب العالمين أولاً وآخراً، وصلى الله على محمد المصطفى وآله النجباء وسلم.
وله أيضاً عليه السلام في:(1/601)
ذكر خطايا الأنبياء عليهم السلام
مما يسأله إبراهيم بن المحسن العلوي رحمة الله عليه
بسم الله الرحمن الرحيم(1/602)