الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى بن الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إن سأل سائل فقال: ما الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
قيل له: الدلائل كثيرة على ذلك، ولكن ليس لمنكر أن يسألنا عن هذه المسألة إلا أن يكون من أهل الكتب الذين أجمعوا معنا على التوحيد والنبوات، فأمَّا الملحدون فليس لهم أن يسألونا عن تصحيح النبوة وهم لم يؤمنوا برب الأنبياء عليهم السلام، فمن سألنا من اليهود والنصارى، وأهل الكتب المقرين بالتوحيد قلنا لهم: الدلائل كثيرة على تصحيح نبوته عليه السلام، وذلك أنه أتى بما يعجز الخلائق عن مثله، فلما أن أتى بما يعجز الخلائق عن مثله، علمنا أنه ليس في قدرة المخلوقين فعله، وأنه لم يفعله إلا الخالق، ولم يضعه إلا على يدي أمين صادق.(1/588)
معجزات سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وآله
فإن قال: فما الأعلام التي جاء بها يعجز الخلائق عن مثلها، قلنا له: ذلك أكثر من أن يحصى، منه الماء القليل الذي سقى منه العالم الكثير، ومنه الخبز القليل الذي أطعم منه البشر الكثير، ومنه أن ذئباً تكلم على نبوته، ومنه أنه أمر شجرة فأقبلت تخد الأرض ثم أمرها فرجعت. ومنه كلام الذراع المسمومة له. وواحدة من هذه الأعلام تجزي بعد أن تكون معجزة للخلق، فلمَّا أن أتى صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المعجزات الأعلام التي ذكرنا علمنا أنه نبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قال: فما الدليل على أنه جاء بهذه الأعلام التي تذكرها ومن خالفك لا يقر لك بذلك؟
قيل له: الدلائل على ذلك الأخبار المتواترة التي لايجوز على مثلها الشك عن قوم مفترقي الديار، بعيدي الهمم، مختلفي التجارات والصناعات والألسن والألوان. نعلم أن مثلهم لا يجوز عليهم الاجتماع والتواطؤ، فلما أجمعوا ينقلون هذا الخبر علمنا عند خبرهم إذ جاء هذا المجي أنه حق وصدق؛ لأنه لو جاز على مثل ما ذكرنا التواطؤ لكنَّا لا ندري لعلنا إذا دخلنا مثل البصرة والكوفة أو بعض هذه الأمصار التي لم ندخلها فقيل لنا هذه مكة، هذه الكوفة، وهي المدينة انهم قد كذبوا، وأن أهل البلد قد تواطؤ على أن يخبرونا بخلاف ذلك.
فإن قلت: لا يجوز لأهل بلد واحد أن يتواطؤ ويجتمعوا على شيء واحد.
قلنا: وكذلك لا يجوز أن يكون من خبرنا عن نبينا محمد عليه السلام أنه فعل كذا وجاء بكذا، وأخبر عن كذا، أن يكونوا كذبوا، لاختلاف أجْناسهم، وبعد ههمهم.
فإن كان السائل يهودياً فارجع عليه فقل: بم صحّ عندك نبوة موسى؟ فإنه يقول بالأعلام التي جاء بها التي يعجز الخلائق عن مثلها.
قيل له: وبم علمت أنه جاء بالأعلام؟
فإن قال: بإخبار من خالفنا، فلما أن أجمعتم معنا والنصارى معكم مع خلافكم لنا علمنا أن مقالنا كما قلنا، وأن خبرنا حق.(1/589)
قلنا له: فأخبرنا عن أسلافكم الذين كانوا قبل أن تكونوا إذ كانت النصارى لم تُصِح لكم نبوة موسى.
فإن قال: بلى.
قيل: وبم ولم؟ وليس هناك مسلمون ولا نصارى يجمعون معك، وزعمت أنه لا يصح الخبر إلا بإجماع من خالفك، وبعد فلو آمن الناس كلهم بموسى وصاروا على دينك بطلت نبوة موسى، إذ زعمت أن الأخبار لا تصح إلا بالمخالفين، فبهذه وللنصارى مثلها على اليهود، فافهمها.
ومن دلالته صلى الله عليه وعلى أهل بيته وعلامته هذا القرآن، لا يقدر أحد أن يدعيه ولا أنه جاء به أحد غيره صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أعجز أهل دهره من الفصحاء والبلغاء، فلم يقدر إلى يومنا هذا كل الخلق أن يأتوا بمثله، أو بسورة منه. ليس يشبه الشعر، ولا الرجز، ولا الخطب، باين من كلام المخلوقين، وفيه أخبار الأولين والآخرين. وبعثه صلى الله عليه وآله وسلم والعرب متوافرة ليس فخرهم إلا الشعر والبلاغة والخطب، فتحداهم بأجمعهم من أن يأتوا بسورة من مثله، عجزوا وأقروا بالعجز. فعلمنا إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثله وهو بلغتهم أن غيرهم أعجز، وعلم أهل النهى إذ عجز الخلائق عن مثله أنه من عند أحكم الحاكمين، وأنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نوراً وهدىً للعالمين.
ومن معجزاته أن قوماً من آل ذريح وهم حي من أحياء العرب وهم بمكة أرادوا أن يذبحوا عجلاً لهم وذلك في أول مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أضجعوه ليذبحوه أنطق الله العجل، فقال: (( يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح، يؤذن بمكة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.))، فتركوا العجل وأتوا المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم في المسجد وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(1/590)
جواب مسألة النبوة والإمامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً
قال أبو القاسم محمد بن الهادي إلى الحق رضي الله عنه:
سألت أبي صلوات الله عليه عن الحجة والدليل على نبوة الأنبياء وإرسال الله لهم تبارك وتعالى، وعن الدليل على إقامة الأوصياء أوصياء الأنبياء، وثبات حجتهم على الأمة، وعن ثبات الإمامة لمن ثبتت له من الأئمة، وبأي سبب ثبتت بها طاعته وعلى البرية وجبت؟
فقال: سألت يا بني، حاطك الله وهداك رشدك، عن مسألة هلك فيها خلق من المتكلفين، وحار عن فهمها كثير من المتكلمين، فقال من ضل عن الحق وتكمه في ذلك عن طرق الصدق: إن إمامة الإمام تثبت بإجماع الناس عليه، وحسن رأيهم فيه. وليس ذلك كذلك، بل ثبتت الإمامة لمن حكم الله له بها، وقلده بحكمه إياها، وكذلك القول في الأنبياء، فالنبي من تنباه الرحمن، وبعثه بالهدى والإحسان إلى جميع الإنسان، فأقام معه الشرائع والبرهان، وكذلك الأوصياء لا تثبت وصاة نبي إلى وصي حتى تثبت له في ذلك حقائق الصدق، ودلائل براهين الحق.
قلت: وما هذه البراهين والدلالات التي حار فيها كثير من أهل المقالات، وتكلم فيها بالأمور العظيمات المعجبات؟
قال: قد سألت فاستقصيت، فافهم ما نقول، وما إليه قولنا يؤول، ثم اعلم أنه لا تثبت نبؤة نبي في قلوب العالمين، ولا يستدل عليها أحد من التابعين، ولا تثبت وصيته الوصيَّ، ولا حجة لحق مضى، ولا تثبت إمامة إمام، ولا تجب طاعته على أهل الإسلام إلا باستحقاق وعلامات، وشرائع ودلالات، وعَلَم قائم، ودليل يدل على أنه هو صاحب ذلك المعنى، والمتولي لجميع هذه الأشياء.(1/591)
استحقاق الأنبياء وعلامتهم
فأمَّا استحقاق الأنبياء صلوات الله عليهم للنبوة فهو بالطاعة منهم لله، والاجتهاد منهم في مرضات الله، والنصح لعباد الله، فإذا علم الله من ضميرهم أنهم إن بعثوا كانوا كذلك، وإن أمروا قاموا لله بذلك، أمرهم سبحانه حينئذ ونهاهم، وبعثهم واجتباهم. ثم أبان معهم العَلَم والدليل الذي يدل على أنهم رسل مبعوثون برسالته إلى خلقه، مبشرين ومنذرين، مخوفين لعذابه، مبشرين بثوابه، هادين إلى طرق سبله، ?لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وإن اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ?[الأنفال: 42]. وعَلَم الأنبياء ودليلها: فهو ما جاءوا به من المعجزات، وأظهروه للخلق من العلامات الشاهدات على أنهن من عند الرحمن، اللواتي لا ينالهن ولا يطيق إيجادهن أحد من الإنسان؛ مثل ما جاء به موسى عليه السلام من إدخاله يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء، ومثل ما جاء به من انقلاب العصا إلى خلق حية، وغير ذلك من باقي التسع الآيات، وغير ذلك مما كان يأتي به من الدلايل المعجزات والعلامات؛ ومثل ما جاء به عيسى صلى الله عليه من التكلم في المهد، ومن إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، وغير ذلك من علاماته، مما نكره التطويل بذكرها، وقد يجزي ذكر قليلها عن كثيرها؛ ومثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من معجزاته الهائلات، وأموره الناطقات، وأسبابه الشاهدات بالنبوة والرسالات، مثل: مجي الشجرة إليه ورجوعها إلى موضعها، وإنباء الناس بما في صدورهم، وإعلامهم بما في ضميرهم، وذلك من إنباء الله له بذلك وإعلامه به إياه، ومثل ما كان من فعله في شاة أم معبد، وماكان منه من الفعل في التمرات من غداء جابر بن عبدالله، وذلك أنه أخذ كفاً من تمر فوضعه في وسط ثوب كبير، ثم حركه ودعا فيه، فزاد وربا حتى امتلأ الثوب تمراً، وما كان منه في عشاء جابر بن عبدالله، صاع من شعير وعناق صغيرة أكل منها ألف(1/592)