الكافرين، كما قال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ?[الحجرات:6].
وأما معنى قوله سبحانه: ?مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ?، فهو الحكم لهم من الله عز وجل بالنصر إذ نصروه. ومن ذلك ما قال ذو العز والجلال: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?[محمد:7]، ولا نصر يكون أكبر من نصره لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن معه من المؤمنين، فحكم الله سبحانه لهم على أعدائه بالنصر إذا التقوا، وبالغلبة إن احتربوا، ألا تسمع كيف يقول: ?وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً?[الفتح:23]، يقول: حكم الله للمؤمنين بالنصر على الفاسقين، ولن تجد لما حكم به رب العالمين للمؤمنين تبديلاً، فهذا معنى الآية وتفسيرها لا كما قال من نسب إلى الله جل ثناؤه فاحش المقال من جبر العباد على الخير، وإدخالهم قسراً في كل شر وضير.
تم جواب مسألته(1/508)
المسألة الثانية والعشرون: عن ما وعد الله تعالى من الغنائم
ثم أتبع ذلك الحسن بن محمد المسألة عما وعد الله جل ثناؤه رسوله والمؤمنين من الغنائم الكثيرة التي قال: ?تَأْخُذُونَهَا?، هل كانت تلك الغنائم التي وعدهم إياها تكون إلا من الكافرين؟ فإن قالوا: لا. فقل: فهل كان أولئك الكافرون يستطيعون أن يؤمنوا حتى لا تحل غنائمهم ولا دماؤهم ولا أموالهم؟ فإن قالوا: نعم؛ فقد كذبوا قول الله عز وجل. وإن قالوا: لا؛ فذلك نقض لقولهم.
تمت مسألته
[جوابها:]
وأما ما سأل عنه، وفيه تكلم وقال في الغنائم التي وعدها الله المؤمنين، وأخبرهم أنهم يأخذونها من الكافرين، فقال الحسن بن محمد في ذلك: هل كان الكافرون يستطيعون الإيمان وهم لو آمنوا لم تحل غنائمهم؟ وهم لو لم تؤخذ غنائمهم (لم يتم) وعد الله لنبيه، فلا بد أن يثبتوا على كفرهم جبراً حتى تؤخذ منهم الغنائم قسراً.
فقولنا في ذلك الحق لا قول المبطل الهالك: إن الله سبحانه علم من أهل الغنائم قبل أن يَعِد نبيه غنائمهم أنهم لا يؤمنون، وأنهم سيثبتون على الكفر ويقاتلون، وأنهم لا يسمعون لله ورسوله ولا يطيعون، فوعده غنائمهم والنصر عليهم إذ علم أنهم لا يختارون الإيمان ولا يطيعون الرحمن، وأنهم يختارون الإقامة على الضلال والكفران، (والمحادة لله ورسوله والعصيان، فلذلك وعد المؤمنين غنائمهم، وأجاز لهم) سبيهم، وأحل مقاتلتهم واسترقاق ذراريهم، وذلك بما جنت أنفسهم عليهم.
تم جواب مسألته(1/509)
المسألة الثالثة والعشرون: معنى قول الله تعالى: ?فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ?
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ?[المائدة:11]، وذلك أن ناساً من اليهود كانوا أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفر معه من أصحابه، فأخبر الله عز وجل رسوله وكف أيديهم عنه وعن أصحابه، فسلهم: هل كانوا يستطيعون أن يبسطوا أيديهم عليهم، وقد كفها الله عنهم؟ أم لا؟ فإن قالوا: نعم؛ فقد كذبوا قول الله جل ثناؤه. وإن قالوا: لا؛ فذلك نقض لقولهم.
تمت مسألته
[جوابها:]
وأما ما سأل عنه (مما تحير فيه) من قول الله عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ?، فتوهم الحسن بن محمد أن الله عز وجل كف أيديهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أصحابه المؤمنين غصباً، حتى لم يكن لهم في ذلك حيلة، ولم يبسط أيديهم بالسواية إليه، وأنه قبضها عنهم قبضاً، ومنعهم منعاً، وليس ذلك كما توهم ولا هو على ما به تكلم، وسنشرح ذلك إن شاء الله ونقول فيه بالحق على الله.(1/510)
فنقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خرج إلى يهود بني النضير في نفر من أصحابه - وكان بنو النضير ينزلون قريباً من المدينة - ليستعينهم في ديتين وقعتا خطأ على بعض المسلمين. فلما أن أتاهم رحبوا به وأدنوه، وكل ما طلب منهم وعدوه، ثم تآمروا به وبأصحابه، وعزموا على الغدر به وبمن معه من أعوانه، فأهبط الله عز وجل بذلك جبريل صلى الله عليه وعلى رسوله فأخبره به وأوقفه عليه، فنهض صلى الله عليه وآله وسلم مسرعاً هو ومن معه حتى رجعوا، ثم هيئوا وخرجوا إليهم يقاتلونهم، وأقاموا عشرين ليلة يحصرونهم في حصونهم، ثم نزلوا من بعد ذلك على حكم سعد بن معاذ، وكان من كبار الأنصار، وذوي القدر منهم والأخطار، وكانوا يتكلمون إليه، ويظنون لما كان بينه وبينهم في الجاهلية من المداناة والإحسان أنه سيحابيهم ويحكم بما ينجيهم كلهم، فحكم بأن تقتل رجالهم وتسبى ذراريهم وحرمهم وفي ذلك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.))، ففعل ذلك بهم، وأخزاهم الله وأهلكهم، وأبادهم وقتلهم، فكان إعلام الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بما اجتمعوا عليه وعزموا وصاروا فيه إليه كفاً لأيديهم ونقضاً لعزيمتهم وإبطالاً لتدبيرهم. فهذا معنى ما تحير فيه الحسن بن محمد من تفسير الآية، لا ما قال به على الله عز وجل من البهتان، وما حمل من محكم القرآن على متشابه القرآن.
تم جواب مسألته(1/511)
المسألة الرابعة والعشرون: معنى قوله تعالى: ?وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ?
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله عز وجل لعيسى بن مريم، وهو يذكر نعمة الله عليه، فقال: ?وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُّبِينٌ?[المائدة:110]، فهل كان لبني إسرائيل أن يبسطوا أيديهم على عيسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا قول الله، وإن قالوا: لا، فذلك نقض لقولهم.
تمت مسألته
[جوابها:]
وأما ما سأل عنه من قول الله عز وجل لعيسى بن مريم المسيح العبد الكريم: ?وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُّبِينٌ?، فقال: هل كانت بنو إسرائيل تقدر على أن تبسط أيديها إليه، وقد كفها الله عنه، وأنعم بذلك عليه؟(1/512)