وقوله تعالى: ?وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى?[الأعراف:172] الابتهال هاهنا بلسان الفعال دون المقال، وكذلك الجواب لما أخرج النطفة من الصلب وهو الظهر إلى الرحم رقيقة مهينة حقيرة منتنة ليس فيها شيء من آثار الخلقة، أشهدها على نفسها أنه الخالق المصور، فخلقها بمعنى قدرها وبرأها بمعنى أوجدها وصورها ما شاء من زيادة ونقصان، وخفة ورجحان، فلو خلقت للنطفة والحال هذه لسان واقدرت على النطق لشهدت له سبحانه بالربوبية، واعترفت بالعبودية، شهادة حقيقة.
قوله تعالى: ?أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ?[الأعراف:172] في الكلام حذف تقديره إذا كان الأمر في الذرية من الظهور ما قدمنا، فما الموجب أن يقولوا به يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، وهل الغفلة عذر في حق رب العالمين، وما يجب أن يقع فيه النظر من أصول الدين، ولولا غفلتهم عن الفكر لاعترفوا بربوبية رب العالمين، ولشهدوا كما شهد الماء المهين.(1/36)


قوله تعالى: ?أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ?[الأعراف:173] وهذا الفصل لاَحِقٌ بالأول، لأنهم اعتذروا بالأول بالغفلة عن النظر فيما يوجب الاعتراف، وفي هذا تقليد الآباء والأسلاف، الشرك إضافة فعل الله إلى غيره وإضافة فعل غيره إليه، والآباء معروفون وقد تقدم معنى الذرية، والهلاك التلف أو ما يؤدي إليه أو يقرب منه، وأصله السقوط، المبطل نقيض المحق، وأصل البطلان الذهاب ، ومن فعل لغير الله سبحانه بطل سعيه.
فإذا كانت الحال هكذا كان الواجب على المسلم وطالب النجاة أن ينظر في الأدلة والبراهين، ويميز بين أقوال المختلفين، ليقع من أمره على عين اليقين، ولا يقلد الأباء السالفين، ولا من أنس به من العالمين، فلا بد من يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، فيتبرأ فيه القرين من القرين، والآباء والأمهات من البنات والبنين، والمتبوعين من التابعين، ولا ينفع الإنسان إلا ما ادخر من الأعمال الصالحة التي هي زاد المتقين ، وهذا ما اتفق من الجواب، وقد قال غيرنا: الذرية أخرجت على صورة الذر وشهدت، وليس ذلك عندنا بشيء والسلام.(1/37)


المسألة الخامسة تلحق بذلك في الماء الذي تنجس أجزاؤه أولاً فأولاً ثم تجتمع بعد ذلك.
الجواب فيها إن النجاسة إن بلغت إلى حد يغير لونه أو ريحه أو طعمه فإن حكمه النجاسة وإلا فهو طاهر، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((الماء طهور المؤمن لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه)) والذي نرى لأهل كل قرن أن يقلدوا إمام عصرهم ويكون عندنا أولى بالتقليد ممن تقدمه وإن كانوا أفضل لقوله تعالى: ?أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ?[النساء:59] وأولوا الأمر الأئمة في الأعصار وهذا عندنا أولى من تقليد الأول والله أعلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تختلفوا على إمامكم)) أفاد ذلك العموم في جميع الأحكام، وهكذا في سائر المسائل، وقس عليه ترشد إن شاء الله تعالى.
تم ذلك بحمد الله تعالى والحمد لله وحده(1/38)


مسائل سأل عنها القاضي الفاضل محمد بن عبد الله بن حمزة
الأولى
في عبد لرجل قتل رجلاً خطأ وتعلقت الجناية برقبته، ثم أعتقه مالكه بعد ذلك ومنع ورثة المقتول من الاسترقاق والملك والبيع هل يصح أم لا؟ وإذا صح هل يضمن قيمة العبد أو الدية؟
الجواب عن ذلك وبالله التوفيق: أن العتق يصح لأن حق ورثة المقتول لم يتعلق بالنفس من كل وجه، وإنما يتعلق بها من وجه دون وجه، والذي يلزم مولاه قيمته بالغة ما بلغت لأن الحكم منتقل إلى المال، وهذا المعتق في حكم المتعدي في عتقه فكان ضامناً قيمته لورثة القتيل ولم يكن منه تعد؛ وإنما هو جار مجراه إلا أن يعلم الجناية فإنه بالعلم كالمختار لنقل الحكم إلى ماله ونفسه؛ فكأنه اختار نفع أرش الجناية على تسليم العبد فيكون عليه الدية والحال هذه، والحكم يفترق في العلم والجهل كما ترى.(1/39)


مسألة
قال أيده الله تعالى: ما ترى في اليهودي إذا وجد ركازاً هل يجب عليه خمس أم لا؟ وهل الخمس يكون طهرة كالزكاة فلا تجب عليه لأنه ليس من أهلها أم لا؟
الجواب عن ذلك وبالله التوفيق: إن الخمس واجب عليه في الركاز لعموم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ((في الركاز الخمس)) فعم ولم يخص، وليس يطهره لأنه لو كان طهره، لم يجز لنا أهل البيت لأن الله سبحانه كره لنا غسالة أوساخ الناس، وما كان يذهب بأقذارهم كما يذهب الأدران، فلما حل لنا الخمس علمنا أنه ليس بطهرة ووجب على اليهودي وجوبه على المسلم.(1/40)

8 / 170
ع
En
A+
A-