وأما قوله ?وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى?[النجم:39] فهذا دليل خطاب وهو معنى ذلك خاص، وإن كانت المطرفية لا تنهى فهمهم إلى ذلك ولكن ألجأت الضرورة إلى مجاورتهم لمجاوريهم بدليل الخطاب لا يعتمده المحصلون في فروع الفقه، فكيف نعتمده في أصول الدين.
وأما أنه خاص فلا، والمراد به الثواب لأنه قال: ?وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى?[النجم:39] لا خلاف في ذلك ولم يذكر العوض بنفي ولا إثبات، ولهذا عقبه بذكر الجزاء، والعوض هو بمنزلة أروش الجنايات وقيم المستهلكات، فإنه يستحقه من يستحق التعظيم ومن لا يستحقه.
والكلام فيه فروع وأصول، وفيه مسائل وفصول، وقد أودعنا شرح الرسالة الناصحة في مسألة الآلام طرفاً من ذلك وبينتها في هذه المسائل على بعض ما أوجبه الحال وألزمه السؤال فتفهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
والسلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته
وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله
تم ذلك بحمد الله ومنه وكرمه فنحمد الله كثيراً بكرة وأصيلا.(1/31)


مسائل سأل عنها الشيخ الفاضل العالم أحمد بن الحسن الرصاص
قال أما المسألة الأولى منها في لبس الحرير المبطن
هل يجوز في غير الحرب أم لا؟
الجواب وبالله التوفيق: أنه لا يجوز عندنا، وهو بمنزلة المفرد في قولنا إلا أن الخلاف فيه واقع عند غيرنا وإنكاره مفوض إلى الإمام إن شاء أقر وإن شاء أنكر على قدر ما يترتب عنده من المصلحة كما يقول في مسائل الصلاة ، ولهذا تفصيل يطول شرحه، والأصل أن لا يجوز لبس الحرير المحض إلا في الحرب.(1/32)


والثانية فيما يقبل من الزكاة لأن ينتفع به من لا يجوز له ولا يقع لقائله على حل؟
الجواب أن ذلك لا يجوز، ولا له وجه عندنا في الجواز، وذلك يوصل إلى المحظور فإن فعله من تجوز له الزكاة بغير مواطأة لمضرة علم نزولها بمن لا تجوز له الزكاة وأراد دفع ذلك الضرر عنه لوجه الله تعالى فهو مأجور ولا إثم عليه، ولو جاز ذلك لم يقع حظر فما به أحد إلا وهو يجد من تقبل له، هذا ما لا يجوز عندنا، ولقد لحق خيلنا الضرر ونفوسنا، وبيت المال عليه الدين الكثير لنا فما استجزنا أن نقضي منه شيئاً لما يخصنا لأن من أرتع سائمة حول الحمى يوشك أن يقع فيه.(1/33)


الثالثة فيمن يُربط من بلاد (الغز) إلى (الحصن)
يربطونه إلى أن يستحل نفسه منهم ولا تصل المنفعة التي تحصل منه إلا إلى رابطه ولا يسقط شيء من حريته، وإذا جاز فعلى من تكون نفقته وهل يجوز تعذيبه أم لا؟
الجواب اعلم أن الأسر يجوز في من يستحق النار من الفساق والكفار، وللفسق دار، وللهجرة دار، وللكفر دار، ولا بد من كون الأعمال شرعية وإلا فلا وجه للسؤال، فإن كان الحرب عن رأي أمير من أمراء الإمام جاز الأسر والفداء، وكانت نفقة الأسير على بيت المال، وما يحصل منه إلى بيت المال يصرف في نفع المسلمين، ولا فرق بين حبسه حتى يؤدي المال وبين لزم يجب [………] حتى يؤدي المال يصرف في نفع المسلمين، فإن جعله الأمير لرابطه جاز، وإن منعه لم يجز، وأما التعذيب فلا يجوز، وقد مر عمر بقوم يعذبون في المال، فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك، وقال إبراهيم بن عبد الله عليه السلام: لا حاجة لي في مال لا يخرج إلا بالعذاب، وإذا كان الأمر غير شرعي لم يجز على أي وجه كان.(1/34)


الرابعة[في قوله تعالى: وإذا أخذ ربك من بني آدم...]
في قوله تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ?[الأعراف:172،173]؟
الجواب وبالله التوفيق: أن الأمر في كتاب الله عظيم، والتعرض به شديد، ولولا أن الله تعالى جعلنا ورثته وفهمنا غرائبه ما تعرضنا به إذ هو بحر لا تقطعه الألواح إلا بريح التوفيق من الله سبحانه والهداية نسأل الله العون قال تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ?[الأعراف:172] الأخذ يقتضي الترك والرب المالك وهو سبحانه مالكنا من كل وجه بالقدرة والإحسان والاستحقاق، فآدم أبو البشر وفي تسميته وجهان أحدهما خلقه من أديم الأرض، والثاني لونه وتحسينه له إلى خلقه بالحلاوة، والظهور معروفة ، والذرية أولاد الرجل ذكوراً كانوا أو إناثا وأعقابهم ما تناسلوا، وأصل الذرية الذر وهو تفريق الحب وغيره بعد اجتماعه ومنه سميت الرياح ذاريات لأنها تذر الرمال والتراب وغيرها تفرقها بعد اجتماعها وهكذا ذرية الرجل كأنها مجتمعة في صلبه ففرقها في الأرحام أو في الرحم شيئاً بعد شيء.(1/35)

7 / 170
ع
En
A+
A-