[الفرق بين الفعل والغرض]
وسابعها : سأل عن فعل الفاعل على سبيل الجملة إن كان لا يعلل في مجرد وقوعه. قال أيده الله: ما الفرق بينه وبين الغرض وداعي الحكمة؟.
الجواب عن ذلك: أن فعل الفاعل يحصل عن اختياره، إما لداعي حكمة وهو علمه أو ظنه وإعتقاده حسن الفعل وأن لغيره فيه نفعاً أو دفع ضرر، وداعي الحاجة علمه أو ظنه واعتقاده في أن له في هذا الفعل نفعاً أو دفع ضرر، وهو لا يحصل لعلة سوى الاختيار؛ فلهذا إنا لو رأينا رجلاً خرج من داره ولها بابان يخرج من أحدهما فأجهدنا نفوسنا في طلب العلة في خروجه من أحدهما دون الآخر لوّمنا العقلاء، إذ ذلك موقوف على اختياره ، وكذلك إذا قضى الدين من أحد الكيسين وما شاكل ذلك.(1/257)
[ثواب الصبر]
وثامنها: سأل أيده الله عن قولنا في الامتحان لا يمتنع أن يعلم الله تعالى أن ثواب الصبر على البلوى أعظم من ثواب سائر العبادة.
قال أيده الله: ونحن نعلم أنا لنستمع أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من أيوب، وبلوى أيوب ومحنته أعظم ، وعظم الله صبره وقال: ?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ?[الزمر:10]، وقال نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ((ليس من نبي إلا ويحاسب يوم القيامة بذنبٍ غيري)) وقال في الممتحنين: ((يساقون إلى الجنة بغير حساب)).
قال أيده الله: فكيف الجواب عن ذلك جميعه؟
الجواب عن ذلك: أن الأمر مستقيم؛ لأنه أخذ من نص الكتاب: ?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ?[الزمر:10] والآثار النبوية كثيرة جدا في تعظيم عظم البلوى وتكاثر ثواب الصبر ولا وجه لإنكاره.(1/258)
[مزية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مضاعفة الثواب]
وأما ما ذكر أيده الله من عظم بلوى أيوب عليه السلام وأن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جميع الأنبياء مزية وهو: أن كل نبي يحاسب بذنب غيره.
فالجواب عن ذلك : أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أضاف الحكيم له إلى محنة التعبد بأنواع العبادة، التعبد بالجهاد هو سنام الدين ورأس الإيمان، ووقفة الرجل في الصف في سبيل الله تعدل عبادة ستين سنة في بعض الآثار يصوم نهاره فلا يفطر، ويقوم ليله فلا يفتر، ومع ذلك فإن الأجر لا يقدر بكثرة العمل لأنه غيوب لا يعلمه إلا الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل : ((إنما مثلكم ومثل الذين كانوا من قبلكم –يريد اليهود والنصارى- كمثل رجل قال لآخر: اعمل من أول النهار إلى الظهر ولك كذا، وقال لآخر اعمل من الظهر إلى العصر ولك كذا، ثم قال لثالث: اعمل من العصر إلى المغرب بكذا وكذا، فغضب الأولان وقالا: عملنا أضعاف ما عمل وضوعف له الأجر قال عليه السلام وكذلك اليهود والنصارى غضبوا لما خص الله به هذه الأمة من مضاعفة الأجر)) وعلى سبيل الجملة نحن نعلم أن الآصار والتكاليف على الذين كانوا قبلنا أشق وأكثر، وأعمارهم كانت أطول، ونحن نعلم أن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأمم وأكثرها ثواباً، وأحسنها منقلبا ومآبا؛ وإنما تنكر هذه الفرقة العمياء الضالة عن منهاج الهدى التي عادت أدلتها وهداتها، وفارقت حماتها ورعاتها، فتاهت في أودية الضلال، وباعت الماء بالآل، فلم تباشر يد اليقين، ولا كتبت في ديوان المتقين، فنعوذ بالله(1/259)
من الزيغ والزلل، ونسأله الثبات في القول والعمل، وأنت تعلم أيدك الله أن نوافل نوح عليه السلام أكثر من نوافل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفرائضه أضعافاً مضاعفة؛ فأعطاه الباري سبحانه بقليل العمل في جنب ما قدمنا كثير الأجر، كما صح عندنا ولا اعتراض على الحكيم بعد ورود النص لأن طالب العلة يبني على أصل فاسد وهو: أن الفضل ليس إلا بعمل؛ وقد بينا بطلانه في الشرح في مواضع كثيرة.(1/260)
[حرية الإمام]
وتاسعها: سأل أيده الله عن شرطنا الحرية في الإمام.
قال أيده الله: ولا يصح ملك أحد من أهل البيت عليهم السلام ؟
الجواب عن ذلك: أن هذا العلم مضبوط الأصول، محقق الأركان والفصول، وتقدير الرق يصح على أهل البيت عليهم السلام على أن رجلاً منهم لو خشي العنت ولم يجد طولاً لنكاح الحرة وتزوج مملوكة لغيره لكان الولد له وهو من أهل البيت عليهم السلام بحكم الله وهو مملوك لمالك الأمة، فلو صح وجمع خصال الإمامة لم تصح إمامته لعدم الحرية فتفهم ذلك موفقاً تجده كما قلنا إن شاء الله تعالى.(1/261)