[العلة والمعلول]
ثانيها: عن العلة قال في موضع لا يجوز تراخي معلولها عنها، وفي موضع أوجب تقدمها عليه وإلا لم تكن علة؟
الجواب عن ذلك: أن نقول مستقيم؛ أما أنه لا يجوز تراخي معلولها عليها فلأنه لو جاز خرجت عن كونها علة فيه وذلك لا يجوز، وكان لا ينفصل وجودها عن عدمها لأن دليل وجودها ظهور معلولها، وما أدى إلى أن لا ينفصل وجود الشيء عن عدمه قضى ببطلانه، وأما وجوب تقدمها عليه وإلا لم تكن علة فيه فمستقيم، والمراد تقدم الذات لتكون مؤثرة في الحكم لا تقدم الزمان، فيجوز التراخي، فيتناقض القول كما ذكرت في حركة الأصبع وحركة الخاتم فإن حركة الأصبع متقدمة على حركة الخاتم تقدم الذات لا الزمان .(1/252)
[الرياح]
وثالثها سأل أيده الله: عن الرياح حركات متداركة فعلى هذا هي عرض لا جسم.
الجواب عن ذلك: أنها حركات في أجسام الهواء ما كان كذلك سمي رياحاً، والحركة وحدها لا تكون رياحاً، والأسماء لا ينكر تعلقها بالأمور على وجوه، ألا ترى أن الإنسان مجموع أجزاء كل جزء منه على الانفراد لا يسمى إنسان فإذا اجتمع أطلق عليه اسم الإنسان، ألا ترى أنك لو وجدت أعضاء متفرقة لأضفتها إلى الإنسان، فما الإنسان والحال هذه نقول: هذا رأس إنسان ويد إنسان حتى تأتي على جميع الأعضاء، فما الإنسان والحال هذه إلا مجموع هذه الأعضاء، كذلك الرياح اجتماع الحركات في الهواء فإن سكن رجع إلى الاسم الأول وقيل هواء.(1/253)
[قرن الأحوال]
ورابعها: سأل أيده الله عن القول في شرح الرسالة الناصحة دل على حدوث قرن الأحوال.
قال أيده الله: والأحوال هاهنا عبارة عن الصفات فكيف اقترنت بها الأجسام وليست الصفات أشياءً فيصح فيها حدوث أو قدم؟ .
الجواب عن ذلك: أن المقارنة بين المعاني والأجسام والأحوال مقتضيات عن المعاني وسمى المعاني أحوالاً توسعاً لما كانت دالة عليها، ومثل ذلك شائع، ولهذا فإنه جوز في الشرح ذكر المعاني، وجعلها الدليل، ويبني القول عنها؛ وإنما الصفات كالمعبرة عنها بلسان الحال، فاعلم ذلك موفقاً.(1/254)
[الجدلي]
وخامسها: سأل عن الجدلي ما هو وما معناه؟
الجواب: أن الجدل هو ما تقطع به خصمك بما سلمه وإن كان لا يوصلك إلى العلم، كما أن المطرفي يخص فعل العبد في حركة وسكون، ونحن نقول فعل العبد سواهما، فإن قال: لا. قلنا: أخبرنا الألم بحركة أو سكون، أو كل الفعل أو بعضه، فإن كان سكوناً بطل بضده، وكذلك إن كان حركة، ويقول: هل العلم حركة أو سكون؟، وهل الجمع، وهل التأليف، وهل الظن، وهل الإرادة وكل شيء من هذا نقطعه ولكنه لا يوصل إلى العلم، وإنما يوصل إليه الدليل العلمي .(1/255)
[الرضا والسخط]
وسادسها: سأل أيده الله عن معنى رضى الله وسخطه والإرادة منه لا تتقدم فعله، وقد ثبت أنه قد رضي وغضب؟
الجواب عن ذلك: أن معنى رضاه للشيء إرادته، ومعنى غضبه منه كراهته له؛ والرضا والغضب لا يتعلقان بشيء من أفعاله سبحانه، فيلزم ما سأل عنه أيده الله، وإنما يتعلقان بأفعالنا، وإرادته لأفعالنا متقدمة لها، وكذلك كراهته لأفعالنا؛ لأن إرادته للواجب من أفعالنا ألطاف التكليف، وكذلك كراهته لقبيح أفعالنا حد الألطاف الصوارف لأن من حق اللطف أن يتقدم على ما هو لطف فيه، فهذا ما يحتمله هذا المكان ومن الله نستمد التوفيق.(1/256)