وسأل أيده الله عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لكنهم كانوا إذا لاح شيء من الدنيا وثبوا عليه))، هل تناول الوثبة الحلال نصا أم لا؟
الجواب عن ذلك: أن الوثبة على الحرام هي التي في مقابلتها الوعيد، والوثبة على الحلال مكروهة؛ لأن الدنيا لا تحتمل الوثوب لهوانها، حلالها فضلا عن حرامها .
وسأل أيده الله عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((فيأخذ ليعطى)) وإنما ذكرنا أن ذلك في بلوى الامتحان لا في بلوى التكليف، وقد قال تعالى: ?وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ?[التوبة:104] وهي في بلوى التعبد.
الجواب عن ذلك: أنا قد بينا في الشرح مستقصي على قدر احتماله، وقوله: ?وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ?[التوبة:104] لا ينافي ما قلناه؛ لأنه إن شمل الأمرين لم يتنافيا لأنه يبتلي بالتكليف لثواب الآخرة، ونفعه العائد علينا، ويبتلي بالامتحان لمنفعة الآخرة على الصبر، وفائدة العوض الجزيل الموفى أضعافاً، وإنما آثرنا به لفظ العطاء لكونه استيفاء العوض، وذكر الجزاء في مقابلة بلوى التكليف، فلكل واحد وجه وكل محتمل.
وسأل أيده الله عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر)) أنا ذكرنا في الشرح تناول المشتهى بالثمن ما هو الثمن؟
الجواب: أن الثمن كل أمر سلمه قابض البيع نقداً كان أو عرضاً، وأصله النقد والشهوات المشتهيات؛ لأن الشهوات لا تدخل تحت مقدوره فيتناولها النهي ولا الأمر.(1/242)
وسأل أيده الله عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما فوق الإزار حساب إن لم يعمل بطاعة)) ومراده أن المستحق من الدنيا ستر العورة وما سوى ذلك فضلاً من نعم الله يجب الشكر عليها.
وسأل أيده الله عن الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجيء الحسن والحسين عليهما السلام وهما يعثران، ونزوله من المنبر وما شعر بشيء من ذلك، وقال إنما الولد فتنة لقد نزلت وما شعرت.
قال أيده الله: كيف يكون سهواً وهو أفعال كثيرة ؟
الجواب عن ذلك: أنه لا يمتنع أن يكون ذلك من قبل الله سبحانه، وإرادة الحكيم تعظيما لحالهما، تنبيهاً لمن أساء إليهما بعده بسوء حاله؛ لأن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغ من الأشغال بأمرهما هذا المبلغ في مثل تلك الحال العظيم وهو صعود المنبر، فما حال من آذاهما وعاداهما ، وإذا أراد الله سبحانه أمراً أخرج الأمر عن بابه المعتاد، كما أن عادة النوم يوم أو ليلة، فلما تعلق به الصلاح أنام أهل الكهف ثلاثمائة سنة وزيادة؛ فلا يمتنع أن يجعل في ذلك زوال علوم الذكر إليها.
الجواب عن ذلك: أن هذا الافتتان افتتان التعظيم لحالهما عند الله سبحانه لا افتتان الهوى؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم منزه عن فتنة الاغترار.
قال أيده الله : يجوز إثبات أبوتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله عز من قائل يقول: ?مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ?[الأحزاب:40].
الجواب عن ذلك: هذا من وجوه:(1/243)
أحدها: تظاهر النصوص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعائهما بالبنوة، وثانيها: بإجماع الصحابة على نسبتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وثالثها: إجماع العترة عليهم السلام على ذلك ، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لكل نبي أبناء منتسبون إلى أبيهم إلا الحسن والحسين فهما إبناي وأنا أبوهما)) وعادة أئمة الهدى من عبد الله أمير المؤمنين فلان بن فلان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير مناكرة من الأمة ولا إنكار من بعضهم على بعض.
وأما قوله تعالى: ?مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ?[الأحزاب:40] فذلك في قصة زيد بن حارثة، والخطاب لعامة المسلمين دون أهل البيت عليهم السلام، وهما طفلان يوم نزول هذه الآية؛ والطفل لا يطلق عليه اسم الرجل، فظاهر الآية مستقيم فاعلم ذلك.
وسأل أيده الله: عن آصف وزير سليمان عليه السلام والذي علمناه على وزن فاعل، فاعلم ذلك.
وسأل أيده الله: عما في الشرح عن معنى قوله تعالى: ?قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ?[النمل:40] قيل أنه آصف. فهل كان ذلك في مقدور البشر؟
الجواب عن ذلك: أنه قيل: دعا إلى الله سبحانه بأن يأتي بالعرش فأتى به سبحانه إجابة لدعوته، وذلك مقدوره سبحانه فلا يتوجه السؤال على هذا التأويل.
وسأل أيده الله: عن قصة عبد الله بن رواحة لما أغمي عليه ثلاثة أيام، ورأى الملك هل تجوز رؤية الملائكة قبل الموت ؟(1/244)
الجواب عن ذلك: إن مشاهدة المؤمنين للملائكة قبل الموت غير ممتنعة وقد كان ذلك؛ فإن عليا عليه السلام يوم بدر سلمت عليه الملائكة وعدهم بأصابعه، وجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((استعد للوصية فما أحصى عدد الملائكة إلا وصي)) وقيل في عده لهم بأصابعه، فظل يعقد بالكفين معتمداً، كأنه حاسب من آل دارانا، وقيل في مثل ذلك أعني الذي سلم في ليلة عليه ميكائيل وجبريل، ميكائيل في ألف، وجبريل في ألفين، يتلوهم إسرافيل وعدهم خمسة آلاف، وكانت الملائكة تزور رجلا من خزاعة وتسلم عليه دائما، وكانت فيه جراحة في سبيل الله فكتمها فلما شكاها على بعض أصحابه انقطع عنه ما كان يرى، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تلك الملائكة كانت تزورك لكتمانك جراحتك في سبيل الله، فلو استمررت لم تنقطع عنك إلى أن تموت، فاشتد أسفه على الكتمان ولأن رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاهد الملائكة في الحياة؛ فما المانع لغيره من ذلك إن شاء الله إلا أن يخشى أن يرفع التكليف، فقد لم يرتفع بذلك تكليف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وسأل أيده الله: في قصة الخنساء وكلامها لعائشة، وقول عائشة لها: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لبس الصدار للمرأة فهل يكون لبسها محظورا؟
الجواب عن ذلك: أنهم كانوا يتخذون عند نزول المصائب بهم صداراً من شعر الماعز سوداء يسمونه الحداد، ولبسها محظور لذلك، فإن لبست لحاجة جاز، وإن لبست لعادة فخير كثير.
وسأل أيده الله : عن منام الرجل الأنصاري الذي حكى فيه الأذان وأن الهادي عليه السلام أنكر ذلك كيف الكلام فيه؟(1/245)
الجواب عن ذلك: أن رؤية الرجل الأنصاري للأذان مروي من رواية صحيحة، وإنكار الهادي عليه السلام مستقيم لأن أصول الدين وقواعد الشريعة لا تكون مناماً، وعندنا أن منام ذلك الأنصاري وافق الوحي، فكان الحكم للوحي دونه، كما في حديث تحريم مكة حرسها الله، أن لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، فلما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحد قال عمه العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه للأحياء وقبورنا وبيوتنا، فقال: ((إلا الاذخر))، فعندنا أن رأي العباس رضي الله عنه وافق الوحي لأن الوحي رجع إليه.(1/246)