الجواب عن ذلك: أن أكثر أموره عليه السلام كان خلاف العادة، ومن ذلك اختصه بالفضل ، وفي الحديث: ((من أحب أن ينظر إلى نوح في علمه، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب))، وقد صار موسى عليه السلام من مصر إلى الشام بغير زاد وذلك خلاف العادة ، وكان مراده عليه السلام أن يلقى الله خميصاً لأنه قد كان أحس بالانتقال إلى الله عز وجل فلقي الله تعالى على ما أراد.
سأل أيده الله عن قول عبد الله بن عمرو أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطاعة عمرو من عمرو هذا؟
الجواب عن ذلك : أن عمرو هذا هو عمرو بن العاص، وولده هو عبد الله بن عمرو أحد الفقهاء والصلحاء ولكن خذل فنعوذ بالله من الخذلان، ومن خذله مشايعته أباه على حرب علي عليه السلام، فنعى ذلك عليه العلماء وهو لا يشك في خطأ معاوية وخطأ أبيه وقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطاعة عمرو؛ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بطاعته كما يؤمر الولد بطاعة الوالد ولم يرد طاعته في معصية الله، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) وعبد الله بن عمرو الذي روى لأهل الشام في قتل عمار رضي الله عنه ((تقتلك الفئة الباغية)) حتى طلب معاوية وأهل الشام وعتب على أبيه في ذلك في قصص طوال.
سأل أيده الله في حد النوم؟
والنوم: استرخاء المفاصل لزوال العقل، وسهو يعتري الإنسان .
سأل أيده الله: عن حد الجوع؟
وحده توفر الداعي إلى تناول المأكول.
سأل أيده الله: عن حد الشبع؟(1/237)
وحده زوال الداعي إلى تناول المأكول، لأن المريض تزول دواعيه ولا يوصف بشبع لما كان زوالها بأمر غير تناول المأكول ، والنوم والجوع والشبع من الله سبحانه موقوفة على أسباب اعتيادية من فعل العباد، وقد من سبحانه بالنوم علينا في آي كثيرة مبيناً ومجملاً ، وكذلك الشبع ، وقال في قصة قريش : ?فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ?[قريش:3،4].
سأل أيده الله: عن عذاب المناقشة، ومشقة المطالبة للمؤمن طالب الحال لأحسن الحلال، كيف والله عز من قائل يقول: ?لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ?[الحجر:48] و?لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ?[الأنبياء:103] و?وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ?[البقرة:277].
الجواب عن ذلك : أن الآثار قد وردت بالوجل في موقف الحساب والمحاسبة والانتقال في المواقف، والسؤال عن النعيم وعن شكره إلى غير ذلك مما لا ينكره عارف، والحجة عليه قولهم: لا يحزنهم الفزع الأكبر، لأن الفزع مواقعة النار، فلو أن هناك أصغر لم يأمنوا منه لما كان لتخصيصه معنى، ولا يمسهم فيها نصب الهاء عائدة إلى الجنة وهذا قبلها في عرصات الحساب ، ولا خوف عليهم كما يخاف الفساق والكفار، ولا يحزنون كما يحزنون، أو يكون المراد به في الجنة، فهناك تنقطع أسباب الشر، وتتصل أسباب الخير .(1/238)
قال أيده الله في تأثير العلة في المعلول: هل يجوز تقدم العلة؛ فكيف ألزمتم الفلاسفة استحالة تراخي المعلول على علته وإن كان لا يتقدم على المعلول، ووجودها على حد واحد، فلم صار أحدهما علة والثاني معلولاً أولى من العكس؟
الجواب عن ذلك: أنه لا يجوز تراخي المعلول عن علته ووجودهما في وقت واحد، إلا أنا نعقل أن أحدهما المؤثر في الآخر بالدليل فنجعله علة للآخر، كما نعلم في المشاهدة تقدم حركة الأصبع على حركة الخاتم بالذات دون الزمان وأنها العلة في حركة الخاتم؛ لكون المؤثر دون الحصول في وقت واحد، والفلاسفة لا تجد سبيلا إلى المخالفة في ذلك، ونحن نبطل عليهم أن يكون حدوث العالم لعلة لأنا نراه يتراخى في الوجود؛ فلو كان لعلة وجب حصوله دفعة واحدة.
سأل أيده الله: عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره)).
قال أيده الله: والرزق مشروط في غيره أليس المشروط يقف على فعل فاعل الشرط فإن فعله كان جزاءً، وإن تركه كان رداً.
الجواب عن ذلك : أن الأمر كما ذكر أيده الله في الرزق، ولكن الشرط ليس بموجب للرزق وإنما هو شرط اعتيادي، ثم الحكيم بالخيار إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل؛ فما أراد الباري سبحانه أن لا يحصل لم يجره الحرص، وما أراد أن يحصل لا يرده كراهة كاره، بل يحصل؛ فلو كان يحصل بجره على كل حال توجه السؤال، وقد تكون الكراهة هاهنا لغير المرزوق.
سأل أيده الله: عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله))، هل شمل المشروط وغيره أم لا؟(1/239)
الجواب عن ذلك: أن هذا عام في المشروط وغيره؛ لأن ما قسم الله سبحانه للعبد في الذكر الحكيم لا بد من وصوله إليه، فإن كان مشروطاً قوى سبحانه دواعيه في الإتيان بشرطه، وإن كان غير مشروط سهل طريقه وهيأ سببه حتى يصل إليه، كما في الآجال واختلافها، كذلك الأرزاق، حتى أنه إذا قدر موته في بلد هيأ له إليها حاجة، كذلك الرزق .
سأل أيده الله: عن انقطاع التكليف عند قيام الساعة أو عند الآيات قبلها؟
الجواب عن ذلك : أنه ينقطع عند ظهور الآيات ?لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا?[الأنعام:158]، ويأكلون ويشربون، ويطلبون نفع الدنيا؛ لأن ارتفاع حكم التكليف لا يرفع ذلك، ولهذا يطلب أهل النار المأكل والمشروب وهم غير مكلفين، وكذلك الأطفال والمجانين يطلبون المتاع مع زوال التكليف .
وسأل أيده الله: عن كلام الهادي عليه السلام في كتاب الأحكام في فضل يوم الجمعة وأن قيام الساعة فيه وأنه عليه السلام كان يأخذه كل يوم جمعة وجل، وكان قاطعا على ظهور المهدي عليه السلام، وليس ذلك إلا قبل قيام الساعة أعني ظهوره؟(1/240)
الجواب عن ذلك : إنما ذكره عن الهادي عليه السلام مأثور عن السلف الصالح عليهم السلام، وكان علي بن الحسين، وجعفر بن محمد عليهم السلام يبكون لظهور أشراط الساعة وعلامتها، المراد بذلك إشعار الخلق وقوعها، إذ هو كائن لا محالة، ووجله يوم الجمعة لأنه يوم وقوعه فوجل لذكر حصولها فيه لا أنها تحصل في وقته عليه السلام؛ لأن قبلها أمور نقطع بكونها لم تكن بعد، كانهدام السد، وخروج يأجوج ومأجوج، والمهدي عليه السلام، والدجال لعنه الله، والدابة وغير ذلك.
وسأل أيده الله: عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا مهدي إلا مهدي عيسى عليه السلام)) ما هذه الإضافة؟
الجواب عن ذلك: أن [الأحاديث في أن] المهدي في أهل البيت عليهم السلام كثيرة والذي يكون بين يدي الساعة هو: مهدي عيسى الذي يحارب الدجال وينصره عيسى عليه السلام هذا معنى قوله: ((لا مهدي تعقبه الساعة إلا مهدي عيسى))، وقد سئل إبراهيم بن عبد الله عليه السلام هل أخوك المهدي الذي بشر الله به؟ قال: المهدي عدة من الله وعد بها نبيه أي: يجعل من ذريته رجلاً لم يسمه بعينه، ولم يوقت زمانه؛ فإن كان أخي المهدي الذي بشر الله به فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن لم يكن أخي المهدي الذي بشر الله به لم يضع أخي فريضة الله في عنقه لانتظار أمر لم يؤمر بانتظاره.
وسأل أيده الله عن قوله تعالى: ?فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ?[الشرح:7] هل الباء مشددة أم مخففة؟ وهي مخففة معناه إذا فرغت من الصلاة فانصب بالدعاء بالقبول والمثوبة، ومثل ذلك في سائر الطاعات يقع الدعاء عقبها شرعاً كما نعلمه في الحج وغيره.(1/241)