وأما قوله وقسمه أنه مولع بحب آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فقد وفق إن صدق قوله بفعله ولم يرفض الآخر ويدعي التمسك بالأول كما فعلت اليهود الملاعين لأن المفرق بين الأئمة الهادين كالمفرق بين النبيين وذكر أنا سببناه في كتابنا والسب أهون عقوبة المجرمين ونكال المعتدين وإن وقع في التوبة والله تعالى يقبل توبة التائبين ويبدل الله سيئاته حسنات ويبدل سبه حمداً وتعظيماً كما يجب علينا أن نفعل للمؤمنين.
وأما ما ذكره من أنه هم أن يرسل بمسائل فتركها إجلالاً لنا فلا شك في وجوب تعظيم الأمة لنا لقرابتنا من خاتم المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين ولكن من أعظم إجلالنا سؤال السائلين واسترشاد الضالين [490] كما ورد عن جدنا خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه وآله فينا: ((قدموهم ولا تقدموهم وتعلموا منهم ولا تعلموهم ولا تخالفوهم فتضلوا ولا تشتموهم فتكفروا)) فقضى بالضلال على من خالفنا والكفر على من شتمنا وكفى بذلك زجراً لأهل البصائر وحرباً ونكالاً لأهل الكبائر، ونحن نورد المسائل ونجيب عنها على وجه الاختصار وكثرة الأشغال، فإن كان يريد البصيرة وصل وأورد لفظاً وسمع الجواب شفاهاً ولم يقبل إلا ما يقوم به البرهان وصريح السنة ومحكم القرآن وأدلة العقول وآثار السلف الصالح من آبائنا الأئمة السابقين سلام الله عليهم أجمعين فإن في ذلك ما يشفي غليل الصدور ويوضح ملتبسات الأمور وهذا حين نبتدي بذكر المسائل وبالله التوفيق.(1/202)


المسألة الأولى
قال أرشده الله: هل يجب على القائم أن يخاطب الخلق بالصلاة قبل الزكاة؟
الجواب عن ذلك: إن معنى هذا الكلام ملتبس على الجهال والواضح عند المستحفظين من العترة الطاهرة ابتداء التكليف في أول الشريعة على جدنا صلى الله عليه وآله وسلم كانت بالصلاة ثم بعد ذلك الصيام ثم بعد ذلك الزكاة ثم تتابعت الفرائض فالجهاد سنامها وأساسها وَبِهِ تنوعت أجناسها وسمع بقرارها وأساسها مقاماً في وقتنا هذا فقد تكاملت وتمت لقوله تعالى: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا?[المائدة:3] فالحمد لله على ذلك فمن كان غنياً وهو صغيراً أو مجنون خوطب وليه بالزكاة قبل الصلاة ومن كان عاقلاً فقيراً خوطب بالصلاة دون الزكاة ومن كملت فيه شرائط التكليف بالوجهين خوطب بهما معاً والإمام يجب عليه مخاطبة الخلق بجميع الفرائض الصلاة والزكاة والحج والجهاد ولم يقم إلا لذلك وإنما يقع الكلام وأحسب أنه الذي يركب في نفسه ولم يتمكن من تعبيره بلسانه هل له أن يطالبهم بأحد الفرضين مع إضرارهم على ترك أحدهما أم لا مع مطالبتنا بالزكاة مع إصرارهم على ترك الصلاة وهذا أرشدك الله يجوز عندنا لأن الإكراه على الزكاة يصح ولا يصح على الصلاة لأن الإمام إذا [491] أكره على الزكاة لم يجب غرامتها وإن لم ينفِ المزكي فنيه الإمام كافيه في سقوط القضا وإذا أكره على الصلاة فصلى وترك النية لم تجزه الصلاة ووجب عليه القضاء فافهم الفرق بين الأمرين.(1/203)


وقد منع أهل برط والي الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام من الصلاة وأنكروها رأساً عليه فكيف على نفوسهم حتى حاربهم الهادي عليه السلام على أن يتركوا واليه يصلي وكانت معه عليه السلام الجفاتم، وحالهم مشهور عند أهل المعرفة وقد ترك علي عليه السلام أشرف الفرائض الجهاد في سبيل السلام فلم يمنعه ذلك من أخذ الزكاة منهم ولم يعلم من أحد من المسلمين أنه امتنع من أخذ الزكاة من قاطع الصلاة بل رأيناهم يتلطفون بهم ويتواضعون لهم لأخذها وتحصيلها ويدعون لهم سمعنا بعض ذلك ونحن نأخذ ذلك منهم على وجه الاستخفاف والقهر.
وأما قتالهم على سائر الفرائض فلم نتمكن من حربهم على ذلك مع قرب العدو وقوته ولم نغفل تذكيرهم ووعظهم في كل أسبوع مرتين وفي أثناء المحاورات فمن آخذ وتارك والله من ورائهم محيط وأثنى الوساد ومكن الله سبحانه في البلاد لم نعذرهم من الجميع، وإن كانت الأخرى لم نترك المطالبة بفريضة لتعذر المطالبة بأخرى.(1/204)


المسألة الثانية هل يجب أخذ أكثر من الواجب؟
الجواب عن ذلك: أن هذا لفظ مختل في قوله: هل يجب أخذ أكثر من الواجب، ولكنا نسامحه ونصحح سؤاله ومراده: هل يجب أخذ أكثر من الزكاة والعشور والفروض المعينة أم لا؟
وعندنا أن ذلك يجوز إن دعت إليه الضرورة للاستعانة على جهاد الظالمين، وقد استعان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل ذلك الهادي عليه السلام ونفذ عليه كما نفذ علينا وأجاب عنه في مسائل الطبري بما يشفي غليل الصدور وقد استعان رسول صلى الله عليه وآله وسلم بفوق الواجب واستعان من اليهود حتى همو فيه بما أطلعه الله عليه فكان سبب هلاكهم وهم أن يدفع الأحزاب بثلث مال المدينة حتى أخبره السعدان رحمة الله عليهما بأنهم يدفعون القوم بالسيف دون المال فعلم صدقهما، ولو أخبرنا من نعلم صدقه أنهم يكفون قتال الظالمين بدون العسكر ما طلبتهم درهماً فردا والله بذلك شهيد، ولم يعلم أحد أنا أخذنا منهم إلا ما نرجو [492] أن يدفع الله به عنهم من الشر ما فيه من تمكن العدو ومن الجلاء والبلاء الذي لا ينكره أحد من العقلاء.(1/205)


المسألة الثالثة هل يوجد مما يجب عليه؟
وهذا لفظ مختل كما ذكرنا أولاً، وهي تؤخذ من اليتيم والطفل والمجنون لأنها متعلقة بالمال وإن لم تتوجه عليه الواجبات.
وإن أراد ممن معه دون النصاب فإن الذي يؤخذ منه لا يكون زكاة وإنما يكون معونة كما قدمنا أو تضمين بما قد سلف من الحقوق ومن المعلوم فمن لم يعم الجهل عين بصيرته أن الناس لو ضمنوا الفطرة لخرج أكثرهم من ماله وإن كان جليلاً، والأفعال محتملة وتحسين الظن من دون الأئمة واجب فكيف بهم.(1/206)

41 / 170
ع
En
A+
A-