المسألة السادسة [في العوض]
ومما سأل قال تحقيقك العوض لا يصح لأن الطفل الذي يموت في بطن أمه لا عوض له فتحقيقك العوض غير صحيح.
الجواب إن العوض إنما يحصل لمن تألم ، والألم فيما دلنا عليه الدليل لا يكون إلا للمستهلين، ولا مانع من حصول الموت في الحيوان بدون الألم، كما نعلم في طير الجنة، الذي قال تعالى: ?وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ?[الواقعة:21] فدلت دلالة العدل أن ذلك الطير يموت بحيث لا يتألم، كذلك الجنين، لأن الألم إذا تعرى عن جلب نفع أو دفع ضرر أعظم أو مجموعهما أو استحقاق كان ظلما من أي فاعل كان، لأن الفعل إنما يقبح ويحسن وقوعه على وجه، ولا يعتبر الفاعل خلافا للمجبرة ولا أحد من المسلمين أنكر بعث البهائم ممن يدعي الإسلام إلا الباطنية، ولا أعلم أحداً ممن ينتحل العدل أنكر العوض إلا المطرفية، ومن أنكر ما قلنا فليتبع كتب أهل العلم يجد الأمر كما ذكرنا .(1/16)
المسألة السابعة في المتولدات
إذا كان يتولد في الشجةآلام كثيرة ضرورية، وأجسام مثل الدود والقيح وما أشبهه، هل ذلك من فعل الله سبحانه أو من فعل العبد؟ فقد وقع الإجماع أن الصفات الضرورية لا فاعل لها إلا الله سبحانه أو من فعل العبد، وهناك أفعال أجسام.
الجواب اعلم أن الحاصل في الجراحة على وجهين من فعل العبد ومن فعل الله سبحانه، فأما القيح والدود فهو فعل الله سبحانه بالقصد والإرادة ولا تقدر على فعل الدود لما فيه من بدائع الحكمة وإجراء الروح والمخارق للمداخل والمخارج والتوصل العجيب إلا الله سبحانه، ولا يجوز أن يحصل ذلك بغير قصد لكل جزء، ومثل ذلك لا يحصل لما فيه من الأجسام إلا بعلم وإرادة ، وكذلك ما حصل من الألم خارجا عن فعل موجب فعل العبد فهو فعل الله تعالى، ولا يعلم تفصيله إلا الله تعالى، وقد تعبدنا أن نقضي بظاهر الحال، وهو أن كل أَلَم في الصائبة فهو من فعل المصيب، فإن حصل لنا طريق أن الحاصل من غير فعله أسقطنا الحكم عنه بمقتضى ما نعلم من الألم.
وأما الإجماع على أن الأعراض الضرورية والأجسام فعل الله فهذا حق، ولهذا قلنا من أنكر شيئاً من ذلك نقض إجماع المسلمين وكابر الأدلة.(1/17)
المسألة الثامنة في الإرادة
إذا كانت فعل الله سبحانه ولم يردها، وفي عرض لا في محل، فيذهب الهادي عليه السلام إن إرادة الله هي مراده، قال: وإذا كان يجوز من الله سبحانه أنه يفعل فعلا ولا يريده جاز في سائر الأشياء، ودخلتم معنا فيما أنكرتم، وإذا جاز وجود عرض لا في محل ما جاز ذلك على سائر الأعراض.
الجواب أنه قد صرح في قوله أنه خالف مذهب الهادي عليه السلام لأنه قال: دخلتم معنا فيما أنكرتم، لا أنكرنا أن فعل الباري شيئاً من الأجسام أو الأعراض الواقعة على وجه دون وجه في التجويز بغير إرادة، وعنده وعند أصحابه أن ذلك يجوز، وعند الهادي عليه السلام أن ذلك لا يجوز، وعندنا أن مراد الهادي عليه السلام في هذه الأحوال دون جنس الفعل، لكن أخاف المدقق أن يشكل عليه جنس الفعل فنصل سؤالنا أو نسأل غيرنا من أهل المعرفة.
فأما قوله: إذا جاز في فعل أن يحصل بغير إرادة جاز في سائر الأفعال.(1/18)
قولنا له: ما الطريقة الرابطة بينهما؟ هل هذا إلا كقول من يقول: إذا وجد الفعل الدال على علم الفاعل محكماً وجب في كل فعل ألا يكون إلا محكماً، أو يجوز حصول المحكم من غير عالم، قلنا: هذا لا يلزم لأن وقوع الفعل على وجه دون وجه دليل الإرادة، ووقوعه على وجه الإحكام دليل العلم، ومجرد وجوده دليل القدرة، فتفهم ذلك إن كنت ممن يفهم، وكذلك قوله إذا جاز وجود الإرادة وهي عرض لا في محل جاز ذلك في كل عرض، قلنا: وما الطريقة الرابطة نبئوني بعلم إن كنتم صادقين؟ أفليس الدليل قد دل على وجوب إرادة الباري سبحانه وتعالى عن ذلك؟ وسواه باطل أن يحله لأنه ليس بمحل، وباطل أن يحل غيره لأن الغير جسم أو عرض، لأن القسمة فيه دائرة لأن الغير لا يخلو إما أن يشغل الحيز عند الوجود أو لا يشغله، فإن شغله فهو الجسم، وإن لم يشغله فهو العرض، وباطل أن يكون جسماً، لأنه لا يخلو إما ان يكون حيواناً أو غير حيوان وهو الجماد باطل أن يحل جماداً؛ لأنه كان يؤدي إلى أن يرتفع الاختصاص وإلى أن ينفصل وجودها عن عدمها، وما أدى إلى أن ينفصل وجود الشيء عن عدمه فهو محال، وباطل أن يحل حيوان، لأنها كانت بأن توجب له أولى من الباري سبحانه وذلك محال فنفى وجودها لا في محل، ولا إنكار على من قال ذلك لأن السماوات والأرض إرادة الباري ومراده، وهما لا في محل، وما قلنا ذلك إلا للدليل، فإذا يجب اتباع الدليل ولا يجوز ذلك في سائر الأعراض لأن أحكامها لا تثبت إلا بالحلول، فالمحل واجب بصحة الوجود ومتعذر بل مستحيل خلافه لأنه يؤدي إلى أن لا يفصل وجود الشيء عن عدمه، وما أدى إلى ذلك فهو(1/19)
محال.(1/20)