المسألة الرابعة في عذاب القبر[482]
الجواب عن ذلك أن المخالف في عذاب القبر من العدلية هم البغدادية ومن طابقهم، ومذهبنا أن عذاب القبر صحيح، والدليل عليه السمع الشريف والآثار الزكية قال تعالى: ?رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ?[غافر:11] والموت الحقيقي لا يكون إلا بعد حياة حقيقية فماتوا في الدنيا وحيوا في القبر وماتوا في القبر وحيوا في البعث، وقال تعالى في آل فرعون: ?النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ?[غافر:46] وقال تعالى في قوم نوح: ?مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا?[نوح:25].
ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين أن الله سبحانه صرح بأن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً ولا وجه لقول من يقول: تعرض الأرواح؛ لأنها لا تخلو إما أن تعقل أو لا تعقل، فإن عقلت كانت مكلفا آخر، وإن لم تعقل فلا وجه للعرض فلم يبق إلا أن يعرض المكلف العاقب.(1/187)


ووجه الاستدلال في آية قوم نوح أنه تعالى عقب الغرق بدخول النار وليس ذلك إلا عذاب القبر، فإن كان المعذب غير مقبور لأن أكثر الموتى يقبر فجعل الكلام في عذاب القبر الأعم والأكثر وإلا فلا فرق بين أن يكون مقبوراً أو غير مقبور، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الميت يقعد في قبره وترد إليه روحه ويأتيه ملكان من صفتهما كذا وكذا فيقولان له: ما دينك؟ ومن ربك؟ وما كنت تعبد؟ فإن كان شقياً قال: لا أدري، فيقولان: لا دريت يا عدو الله ولا تليت، ثم يضربانه بمقامعهما من صفتها كذا وكذا، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة فيهش إليهما فيضربانه ويقولان: يا عدو الله لو أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرك، ثم يفتحان له باباً إلى النار فيصد عنها فيضربانه ويقولان: يا عدو الله أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرك)) قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((فوالذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه حسرة لا ترتد أبداً، وإن كان سعيداً قالا له بعد رجوع الروح فيه: من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تعبد؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام، وكنت أعبد الله وحده لا شريك له، فيفتحان له باباً إلى النار فيصد عنها ويقولان له: يا ولي [483] الله أما إذا أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرك، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة فيهش إليها فيقولان: يا ولي الله أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرك، ثم يقولان له: نم نومة العروس غير المؤرق)) قال: ((فوالذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً)) فقال له أصحابه أو بعض أصحابه: يا رسول الله ومن يقدر على(1/188)


الكلام مع ما وصفت من عظم الملكين فقال: ((?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ?))[إبراهيم:27].
وعن علي عليه السلام أنه قال في أحد مواعظه حتى إذا عاد المشيع ورجع المنفجع أقعد في حفرته حيا لعثرة السؤال وبهتة الامتحان.
فاعلم أيدك الله أن الأصل في إثبات العذاب السمع إذ العقل كان لحوز العفو فإذا ثبت بالسمع جملة ثبت به تفضله فلا وجه لإنكاره ولولا الاختصار لأوردنا ما يكثر تعداده من الآثار.(1/189)


المسألة الخامسة فيما ذكر من اختلاف الناس في الإمامة
بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم من تقدم على علي بن أبي طالب عليه السلام.
اعلم أن الأمة مختلفة في الإمامة، فمنهم من أثبتها في أعيان مخصوصة بالنص من أهل بيت النبوة عليهم السلام وهم الإمامية ومن حذا حذوهم مختلفون في أصل النص وفي صورته وكيفيته اختلافاً كثيراً.
ومنهم من اعتبر منصباً مخصوصاً وأجازها في قريش وهم الزيدية والمعتزلة، فقالت الزيدية: هي في ولد الحسن والحسين عليهما السلام تشريفاً، وقالت المعتزلة: هي في قريش بشرائط، واختلفوا في طريقها، فقالت الزيدية: طريقها الدعوة، وقالت المعتزلة: طريقها العقد، ولم يختلفوا في الشرائط، وذهبت الخوارج إلى أن الإمامة في الناس كلهم ما صلحوا لذلك عربهم وعجمهم في ذلك سواء، وطابقهم النظام وطوائف، فهذا أصل الاختلاف في الإمامة وله فروع يطول شرحها ولا يمكن في الحال ذكرها.
ومذهبنا أنها في ولد الحسن والحسين عليهما السلام محصورة.
والدليل على ذلك أنها شرعية فدليلها شرعي وهو الإجماع على جوازها [484] فيهم ولا دليل في الشرع على جوازها فيمن سواهم فوجب حصرها فيهم وقول أهل النص باطل لأنه غير معلوم والتعبد بالإمامة عام فلو صح لعلم، ولا تجوز الإمامة في الناس كلهم لأنه لا دليل عليه وما لا دليل عليه لا يكون مذهباً صحيحاً لأن المذهب دعوى فلا يصح بغير دليل.(1/190)


وأما الإمامة في علي عليه السلام فهي ثابتة بالنص فيه وفي ولديه عليهما السلام والنص عليهم معلوم، والأمة بين منج به ومتأول له، وتقدم من تقدم على علي عليه السلام من جملة الأحداث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أخطأ راكبها ولسنا نعلم قدر عقوبة ذلك الخطأ عند الله سبحانه لأن الخطيئة الكبيرة قد تصغر لقدر عظم صاحبها وتقدم إحسانه كما يعلم من وجوب إقالة أهل الكرم الهفوات والعثرات والتجاوز من فارط السيئات بخلاف من لا حق له ولا مكان، وقد كان المتقدم على علي عليه السلام من أعظم الناس على الرسول عليه وعلى آله السلام بعد أهل بيته حقاً وأقفاهم لآثارهم وهم جلة الصحابة وخيارهم ومنهم صاحبه ومنهم ناصره ومنهم صهره ولهم حرمة وقد ارتكبوا فيما لم يوسع لهم في ارتكابه ولا قام لهم دليل بجوازه فإن عفى الله عنهم فأهل العفو وهم أفهم الناس به، وإن عاقبهم فما ربك بظلام للعبيد.
فهذا ما عندنا في هذه المسألة مجملاً فتفهمه موفقاً.(1/191)

38 / 170
ع
En
A+
A-