فصل
قال أرشده الله : في الناحية التي نحن فيها قوم من الزيدية، وقوم من المجبرة، وهي بلاد الغز فمرة يعطون الغز ومرة لا يعطونه كأهل العرش، وأهل سهلة زبيد، وليسوا بمسلّمين إلينا شيئاً من الحقوق، وقد كثرت الحقوق وكثرت مطاعن الشيعة والفقهاء علينا في أخذهم وأخذ سواهم، فإن كان أخذهم صواباً فأشبع الفصل في الرد على أهل الطعن بالأدلة والبراهين القاطعة فإنها لا تقبل إلا من جهتك واذكر إن كان ذلك أن من طعن على المشايخ في غزو بلاد الغز عادى أمير المؤمنين ويرى من والا آل محمد وفسق، وحرمت عليه الحقوق الواجبة وإن كان ذلك حراماً زجر بنا عنه.
اعلم أن الجواب عن هذا الفصل قد اندرج في أثناء المسائل المتقدمة فلا يعاد إلا تأكيداً.(1/182)
اعلم أن البلاد التي لا ينقاد أهلها لأمر الإمام ولا أمر الوالي من قبله، ويسلمون الحقوق إلى من أرادوا تسليمها إليه بغير أمر الإمام ولا أمر الوالي من قبله، فمن كانت هذه صفته فإنه يجوز لوالي الإمام غزوه، وحربه، وأخذ ماله، وسفك دمه لو امتنع على درهم واحد ورفع عنه فاعلم ذلك، ومن طعن على المشائخ من الشيعة أو غيرهم فهو أحد رجلين: إما جاهل أو متجاهل ، ومن كانت هذه حاله فلا معتدٍ بشيء من كلامه، لأن الله سبحانه قد أغناه وأغنى سواه عن التكلف والتعسف، فلو قيل هداه الله سبحانه ورد الأمر إلى أهله أراح واستراح وخلص فيما بينه وبين الله تعالى، وكان كما أمر الله سبحانه بقوله: ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ?[الأنبياء:7]، فمن وفق لذلك سعد في دنياه وآخرته، ومن وكل على نفسه أوبقها من رحمة الله، نسأل الله قلوباً متقلبة مع الحق، ونفوساً مؤيدة للرشد، وبصائر نافذة في حنادس ظلم الألباس، لنا ولكم، ولكافة المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/183)
مسائل سأل عنها الشيخ المكين موسى بن إبراهيم الحجلم بصعدة في ذي الحجة آخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الحمد لله الذي جعل الحمد سبب للمزيد، والمزيد موجباً للحمد، وأعد على ذلك ثواباً جزيلا لا نهاية له ولا حد، ولا حصر ولا عد، الذي أنعم علينا بمعرفته، وغمرنا بأنواع رحمته، لم تقف الحكمة على مراد خلقه، ولا جعل العدل مشروطاً بموافقة أغراض عباده، محنته نعمة آجلة، ورحمته نعمة عاجلة، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا رافع لمن وضع، ولا واضع لمن رفع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وصلى الله على رسوله المستخرج من عنصر الطهارة والمجد، صاحب نهر الكوثر ولواء الحمد، وعلى آله الطيبين الأبرار، المصطفين الأخيار، الذي أذهب الله عنهم الرجس وفضلهم على كافة الثقلين من الجن والإنس، فتح بهم وختم، وأعطى وحرم، وأثاب وانتقم، وجعلهم أعلاماً للدين شامخة الذوائب، وأنوارا للهدى واسعة المذاهب، بحبهم يعرف الأبرار، ويميز بين الأخيار والأشرار وسلم وكرم.
أما بعد .. فإن المسائل وردت من الشيخ المكين أيده الله ونحن في أشغال تقيد الفهم وتحير الوهم وبندوحة المذهب في تكدر صفو المشرب، فلم نر إلا فتح ما استثقل، وحل ما أشكل، ومن الله سبحانه نستمد المعونة والتوفيق وإنما نورد السؤال مجرداً ثم نجيب عنه على وجه الاختصار والإيجاز.
قال أرشده الله:(1/184)
المسألة الأولى في كرسي الله وعرشه
الجواب عن ذلك: أن الكرسي والعرش خلقان من خلق الله عظيمان، جاء في الحديث عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الكرسي في جنب العرش كحلقة ملقاة في فلاة، والسماوات والأرض في جنب الكرسي كالكرسي في جنب العرش)) وقد قال تعالى: ?وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ?[البقرة:255]، وقال تعالى: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?[طه:5] معنى استوى استولى [481]، فإذا استولى على هذا الأمر العظيم فما دونه أقرب إلى الاستيلاء والاستظهار وقد قيل: إن العرش الملك، والكرسي العلم وذلك شائع في اللغة العربية وله شواهد وميلنا إلى الاختصار ولا هو مناف للمعنى الأول، وليس علينا في ذلك تكليف إلا ما ورد به السمع.(1/185)
المسألة الثانية في الصراط والميزان
الجواب عن ذلك أن الصراط في الأصل هو الطريق فجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((إن الصراط جسر موضوع بين الجنة والنار جعله الله علامة لكرامة المؤمنين ومقدمة لعقوبة الفاسقين يضيقه الله على المجرمين حتى تدحض عنه أقدامهم ويكون كحد السيف، ويوسعه على المؤمنين فيكون عن يمين المؤمن ثمانية أذرع وعن يساره ثمانية أذرع ويحوز الناس على قدر منازلهم في الثواب ومنزلتهم عند الله سبحانه في البطئ والسرعة)) وهو قول عظيم، نسأل الله أن يثبت أقدامنا ونسقى من حوض نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وأما الميزان فقسطاس يوزن به الحق والباطل فيتضح الراجح من الشايل فتعظم لذلك حسرة المجرمين وتتعاظم مسرة المسلمين.
فإن قيل: وما الموزون والأعمال أعراض لا يصح وزنها؟
قلت: الموزون إنما توزن صحائف الأعمال كما روينا عن النبي المفضال صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يؤتى بطوامير كأمثال الجبال ويؤتى بصحيفة تواري أصبعين فتوضع تلك الطوامير في كفة وتلك الصحيفة في كفة فترجح بها الصحيفة التي تواري أصبعين، فقيل: يا رسول الله ما فيها؟ قال: فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم )) وآيات القرآن مصرحة بالوزن يوم القيامة وثقل الموازين وخفتها فلا وجه لصرفه عن الظاهر لغير موجب لأن الواجب اتباع ظاهر كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما منع منه الدليل وقد قيل: إنه العدل، وما قلنا هو الأولى عندنا لمطابقة السنة للكتاب فيه.(1/186)